للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ تَعَالَى: هَذِهِ آيَاتُ اللَّهِ -يَعْنِي الْقُرْآنَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ- {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أَيْ: مُتَضَمِّنَةً الْحَقَّ مِنَ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَلَا يَنْقَادُونَ لَهَا، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ؟!

ثُمَّ قَالَ: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أَيْ: أَفَّاكٍ فِي قَوْلِهِ كَذَّابٍ، حَلَّافٍ مَهِينٍ أَثِيمٍ فِي فِعْلِهِ وَقِيلِهِ (١) كَافِرٍ بِآيَاتِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ} أَيْ: تُقْرَأُ عَلَيْهِ {ثُمَّ يُصِرُّ} أَيْ: عَلَى كُفْرِهِ وَجُحُودِهِ اسْتِكْبَارًا وَعِنَادًا {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} أَيْ: كَأَنَّهُ مَا سَمِعَهَا، {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [أَيْ] (٢) فَأَخْبِرْهُ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابًا أَلِيمًا مُوجِعًا.

{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا} أَيْ: إِذَا حَفِظَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَفَرَ بِهِ وَاتَّخَذَهُ سُخْرِيًّا وَهُزُوًا، {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا اسْتَهَانَ بِالْقُرْآنِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ؛ وَلِهَذَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ (٣) .

ثُمَّ فَسَّرَ الْعَذَابَ الْحَاصِلَ لَهُ يَوْمَ مَعَادِهِ (٤) فَقَالَ: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أَيْ: كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ سَيَصِيرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} أَيْ: لَا تَنْفَعُهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، {وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} أَيْ: وَلَا تُغْنِي عَنْهُمُ الْآلِهَةُ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {هَذَا هُدًى} يَعْنِي الْقُرْآنَ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} وَهُوَ الْمُؤْلِمُ (٥) الْمُوجِعُ.

{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) }


(١) في ت، أ: "وقلبه".
(٢) زيادة من ت، م.
(٣) صحيح مسلم برقم (١٨٦٩) .
(٤) في أ: "القيامة".
(٥) في أ: "المقلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>