للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا فِي الرَّسُولِ وَفِي الدِّينِ غُرُورَ النَّاسِ وَكَيْدَ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ، فَكَيْدُهُمْ إِنَّمَا يَرْجِعُ وَبَالُهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} . وَهَذَا إِنْكَارٌ شَدِيدٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَالْأَنْدَادَ مَعَ اللَّهِ. ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَمَّا يَقُولُونَ وَيَفْتَرُونَ وَيُشْرِكُونَ، فَقَالَ: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (٤٩) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِالْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ لِلْمَحْسُوسِ: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا} أَيْ: عَلَيْهِمْ يُعَذَّبُونَ بِهِ، لَمَّا صَدَقُوا وَلَمَّا (١) أَيْقَنُوا، بَلْ يَقُولُونَ: هَذَا {سَحَابٌ مَرْكُومٌ} أَيْ: مُتَرَاكِمٌ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الْحِجْرِ: ١٤، ١٥] . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَذَرْهُمْ} أَيْ: دَعْهُمْ -يَا مُحَمَّدُ- {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أَيْ: لَا يَنْفَعُهُمْ كَيْدُهُمْ وَمَكْرُهُمُ الَّذِي اسْتَعْمَلُوهُ فِي الدُّنْيَا، لَا يُجدي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئًا، {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}

ثُمَّ قَالَ: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} أَيْ: قَبْلَ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، كَقَوْلِهِ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السَّجْدَةِ: ٢١] ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: نُعَذِّبُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَنَبْتَلِيهِمْ فِيهَا بِالْمَصَائِبِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَيُنِيبُونَ (٢) ، فَلَا يَفْهَمُونَ مَا يُرَادُ بِهِمْ، بَلْ إِذَا جُلِّيَ عَنْهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ، عَادُوا إِلَى أَسْوَأِ (٣) مَا كَانُوا عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: "إِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ وَعُوفِيَ مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ الْبَعِيرِ، لَا يَدْرِي فِيمَا عَقَلُوهُ وَلَا فِيمَا أَرْسَلُوهُ" (٤) . وَفِي الْأَثَرِ الْإِلَهِيِّ: كَمْ أَعْصِيكَ وَلَا تُعَاقِبُنِي؟ قَالَ اللَّهُ: يَا عَبْدِي، كَمْ أُعَافِيكَ (٥) وَأَنْتَ لَا تَدْرِي؟

وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أَيِ: اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ وَلَا تُبَالِهِمْ، فَإِنَّكَ بِمَرْأًى مِنَّا وَتَحْتَ كَلَاءَتِنَا، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.

وَقَوْلُهُ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ إلى الصلاة: سبحانك اللهم


(١) في م: "ولا".
(٢) في أ: "ينسون"
(٣) في أ: "أشر".
(٤) رواه أبو داود في السنن برقم (٣٠٨٩) من حديث عامر الرام رضي الله عنه.
(٥) في م، أ: "أعاقبك".

<<  <  ج: ص:  >  >>