للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأنْثَى (٢٧) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (٣٠) }

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي تَسْمِيَتِهِمُ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَجَعْلِهِمْ لَهَا أَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزُّخْرُفِ: ١٩] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ صَحِيحٌ يُصَدِّقُ مَا قَالُوهُ، بَلْ هو كذب وزور وافتراء، وكفر شنيع. {ٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} أَيْ: لَا يُجْدِي شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ أَبَدًا مَقَامَ الْحَقِّ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" (١) .

وَقَوْلُهُ: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} أَيْ: أعرِضْ عَنِ الَّذِي أعرَضَ عَنِ الْحَقِّ وَاهْجُرْهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أَيْ: وَإِنَّمَا (٢) أَكْثَرُ (٣) هَمِّهِ وَمَبْلَغُ عِلْمِهِ الدُّنْيَا، فَذَاكَ هُوَ غَايَةُ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ. وَلِذَلِكَ (٤) قَالَ: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أَيْ: طَلَبُ الدُّنْيَا وَالسَّعْيُ لَهَا هُوَ غَايَةُ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (٥) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ" (٦) وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا".

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} أَيْ: هُوَ الْخَالِقُ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْعَالَمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ أَبَدًا، لَا فِي شَرْعِهِ وَلَا في قَدَره.

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢) }


(١) صحيح البخاري برقم (٥١٤٣) وصحيح مسلم برقم (٢٥٦٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) في م: "وإنا".
(٣) في أ: "أكبر".
(٤) في م، أ: "ولهذا".
(٥) زيادة من م.
(٦) المسند (٦/٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>