للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ تَبْقَ لَهُمْ عُيُونٌ بِالْكُلِّيَّةِ، فَرَجَعُوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ يَتَحَسَّسُونَ بِالْحِيطَانِ، وَيَتَوَعَّدُونَ لُوطًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى الصَّبَاحِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} أَيْ: لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ، وَلَا انْفِكَاكَ لَهُمْ مِنْهُ، {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .

{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مُوسَى وَأَخُوهُ هَارُونُ بِالْبِشَارَةِ إِنْ آمَنُوا، وَالنِّذَارَةِ إِنْ كَفَرُوا، وَأَيَّدَهُمَا بِمُعْجِزَاتٍ عَظِيمَةٍ وَآيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَكَذَّبُوا بِهَا كُلِّهَا، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، أَيْ: فَأَبَادَهُمُ اللَّهُ وَلَمْ (١) يُبق مِنْهُمْ مُخْبِرًا وَلَا عَيْنًا وَلَا أَثَرًا.

ثُمَّ قَالَ: {أَكُفَّارُكُمْ} أَيْ: أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ {خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} يَعْنِي: مِنَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِمَّنْ أُهْلِكُوا بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَكُفْرِهِمْ بِالْكُتُبِ: أَأَنْتُمْ خَيْرٌ أَمْ أُولَئِكَ؟ {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} أَيْ: أَمْ مَعَكُمْ (٢) مِنَ اللَّهِ بَرَاءَةٌ أَلَّا يَنَالَكَمْ عَذَابٌ وَلَا نَكَالٌ؟ .

ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} أَيْ: يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مُنَاصِرُونَ (٣) بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنَّ جَمْعَهُمْ يُغْنِي عَنْهُمْ مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أَيْ: سَيَتَفَرَّقُ شَمْلُهُمْ وَيُغْلَبُونَ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ -وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا (٤) عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ وُهيب، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ -وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ-: "أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعبد بَعْدَ الْيَوْمِ (٥) أَبَدًا". فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ. فَخَرَجَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} .

وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي غير موضع، من حديث خالد -وهو مِهْران (٦) الْحَذَّاءُ-بِهِ (٧) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزّهرَاني، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [قَالَ] (٨) قَالَ عمر: أيّ جمَع يهزم؟ أيّ جَمْع


(١) في م: "فلم".
(٢) في م: "معهم".
(٣) في م، أ: "يتناصرون".
(٤) في م: "بن".
(٥) في م: "بعد اليوم في الأرض".
(٦) في م، أ: "وهو ابن مهران".
(٧) صحيح البخاري برقم (٢٩١٥، ٣٩٥٣، ٤٨٧٥، ٤٨٧٧) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٥٥٧) .
(٨) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>