للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْرَبَ شُرْبَ الْهِيمِ عَبَّة وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلَاثًا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {هَذَا نزلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} أَيْ: هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا هُوَ ضِيَافَتُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَ حِسَابِهِمْ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الْكَهْفِ: ١٠٧] أَيْ: ضِيَافَةً وَكَرَامَةً.

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُقررًا لِلْمَعَادِ (١) ، وَرَدًّا عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْإِلْحَادِ، مِنَ الَّذِينَ قَالُوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الصَّافَّاتِ: ١٦] ، وَقَوْلُهُمْ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، فَقَالَ: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} أَيْ: نَحْنُ ابْتَدَأْنَا خَلْقَكُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، أَفَلَيْسَ الَّذِي قَدَرَ عَلَى الْبَدَاءَةِ بِقَادِرٍ عَلَى الْإِعَادَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ فَلِهَذَا قَالَ: {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أَيْ: فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ! ثُمَّ قَالَ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} أَيْ: أَنْتُمْ تُقِرُّونَهُ فِي الْأَرْحَامِ وَتَخْلُقُونَهُ فِيهَا، أَمِ اللَّهُ الْخَالِقُ لِذَلِكَ؟

ثُمَّ قَالَ: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} أَيْ: صَرَّفْنَاهُ بَيْنَكُمْ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سَاوَى فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أَيْ: وَمَا نَحْنُ بِعَاجِزِينَ.

{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} أَيْ: نُغَيِّرُ خُلُقَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} أَيْ: مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ.

ثُمَّ قَالَ: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} أَيْ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَنْشَأَكُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا مَذْكُورًا، فَخَلَقَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، فَهَلَّا تَتَذَكَّرُونَ وَتَعْرِفُونَ أَنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى هَذِهِ النَّشْأَةِ -وَهِيَ البَداءة-قَادِرٌ عَلَى النَّشْأَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْإِعَادَةُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَكَمَا قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّومِ: ٢٧] ، وَقَالَ: {أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مَرْيَمَ: ٦٧] ، وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٧-٧٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} ؟ [القيامة: ٣٦-٤٠] .


(١) في أ: "للعباد".

<<  <  ج: ص:  >  >>