للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} أَيْ: يُحَاوِلُونَ (١) أَنْ يَرُدّوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُطْفِئَ شُعَاعَ الشَّمْسِ بِفِيهِ، وَكَمَا أَنَّ هَذَا مُسْتَحِيلٌ كَذَلِكَ ذَاكَ مُسْتَحِيلٌ (٢) ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي سُورَةِ "بَرَاءَةٌ"، بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (٣)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) }

تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَرَادُوا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَفْعَلُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السورة، ومن جملتها هذا الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثُمَّ فَسَّرَ هَذِهِ التِّجَارَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي لَا تَبُورُ، وَالَّتِي هِيَ مُحَصِّلَةٌ لِلْمَقْصُودِ وَمُزِيلَةٌ لِلْمَحْذُورِ فَقَالَ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَيْ: مِنْ تِجَارَةِ الدُّنْيَا، وَالْكَدِّ لَهَا وَالتَّصَدِّي لَهَا وَحْدَهَا.

ثُمَّ قَالَ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أَيْ: إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أَمَرْتُكُمْ (٤) بِهِ وَدَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، غَفَرْتُ لَكُمُ الزَّلَّاتِ، وَأَدْخَلْتُكُمُ الْجَنَّاتِ، وَالْمَسَاكِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

ثُمَّ قَالَ: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} أَيْ: وَأَزِيدُكُمْ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً تُحِبُّونَهَا، وَهِيَ: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أَيْ: إِذَا قَاتَلْتُمْ فِي سَبِيلِهِ وَنَصَرْتُمْ دِينَهُ، تَكَفَّلَ اللَّهُ بِنَصْرِكُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: ٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الْحَجِّ: ٤٠] وَقَوْلُهُ {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أَيْ: عَاجِلٌ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ هِيَ خَيْرُ الدُّنْيَا مَوْصُولٌ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ، لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَنَصَرَ اللَّهَ وَدِينَهُ؛ ولهذا قال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}


(١) في أ: "أي يجادلون".
(٢) في م، أ: "كذاك ذلك".
(٣) في أ: "والله أعلم".
(٤) في أ: "ما آمركم".

<<  <  ج: ص:  >  >>