للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا سُرَّ، اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ (١) قَمَر (٢) وَقَالَتْ عائشةُ: دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا تَبرُقُ أسَاريرُ وَجْهه (٣) . الْحَدِيثَ.

وَقَوْلُهُ: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} أَيْ: بِسَبَبِ صَبْرِهِمْ أَعْطَاهُمْ ونَوّلهم وَبَوَّأَهُمْ {جَنَّةً وَحَرِيرًا} أَيْ: مَنْزِلًا رَحْبًا، وَعَيْشًا رَغَدًا (٤) وَلِبَاسًا حَسَنًا.

وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدّارَاني قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ سُورَةُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ} فَلَمَّا بَلَغَ الْقَارِئُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} قَالَ بِمَا صَبَرُوا عَلَى تَرْكِ الشَّهَوَاتِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَنْشَدَ:

كَم قَتيل بشَهوةٍ وَأَسِيرٌ ... أُفٍّ مِنْ مُشتَهِي خِلاف الجَميل ...

شَهوَاتُ الإنْسان تُوْرِثُهُ الذُّل ... وَتُلْقيه فِي البَلاء الطَّويل (٥)

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (١٣) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا (١٤) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ (١٥) قَوَارِيرَاَْ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا (١٧) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (١٩) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (٢٠) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢) }

يُخْبَرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَمَا أُسْبِغَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَضْلِ العَميم فَقَالَ: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ} وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ "الصَّافَّاتِ"، وَذَكَرَ الْخِلَافِ فِي الِاتِّكَاءِ: هَلْ هُوَ الِاضْطِجَاعُ، أَوِ التَّمَرْفُقُ، أَوِ التَّرَبُّعُ أَوِ التَّمَكُّنُ فِي الْجُلُوسِ؟ وَأَنَّ الْأَرَائِكَ هِيَ السُّرر تَحْتَ الْحِجَالِ.

وَقَوْلُهُ: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَرّ مُزْعِجٌ، وَلَا بَرْدٌ مُؤْلِمٌ، بَلْ هِيَ مِزَاجٌ وَاحِدٌ دَائِمٌ سَرْمَدْيّ، {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} [الكهف: ١٠٨] .


(١) في م: "كأنه فلقة".
(٢) حديث توبه كعب بن مالك في صحيح البخاري برقم (٣٩٥١، ٤٦٧٣) ، وفي صحيح مسلم برقم (٢٧٦٩) ، وتقدم عند تفسير الآية: ١١٨ من سورة "التوبة".
(٣) حديث عائشة في لحاق أسامة بأبيه زيد. رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٥٥٥) ، ومسلم في صحيحه برقم (١٤٥٩) .
(٤) في م: "رغيدا".
(٥) انظر: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٢٧/٨٦) ووقع صدره فيه:
كم قتيل لشهوة وأسير

<<  <  ج: ص:  >  >>