تَفْسِيرُ سُورَةِ عَبَسَ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦) }
ذَكَرَ غيرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يخاطبُ بَعْضَ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ طَمع فِي إِسْلَامِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُخَاطِبُهُ وَيُنَاجِيهُ إِذْ أَقْبَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ-وَكَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا-فَجَعَلَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ وَيُلِحُّ عَلَيْهِ، وودَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَوْ كَفَّ سَاعَتَهُ تِلْكَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَاطَبَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ؛ طَمَعًا وَرَغْبَةً فِي هِدَايَتِهِ. وعَبَس فِي وَجْهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) ؟ أَيْ: يَحْصُلُ لَهُ زَكَاةٌ وَطَهَارَةٌ فِي نَفْسِهِ. (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) أَيْ: يَحْصُلُ لَهُ اتِّعَاظٌ وَانْزِجَارٌ عَنِ الْمَحَارِمِ، (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) أَيْ: أَمَّا الْغَنِيُّ فَأَنْتَ تَتَعَرَّضُ لَهُ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي، (وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى) ؟ أَيْ: مَا أَنْتَ بِمُطَالَبٍ بِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ زَكَاةٌ. (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى) أَيْ: يَقْصِدُكَ وَيَؤُمُّكَ لِيَهْتَدِيَ بِمَا تَقُولُ لَهُ، (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أَيْ: تَتَشَاغَلُ. وَمِنْ هَاهُنَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَخُصَّ بِالْإِنْذَارِ أَحَدًا، بَلْ يُسَاوِي فِيهِ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالضَّعِيفِ، وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ، وَالسَّادَةِ وَالْعَبِيدِ، وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالصِّغَارِ وَالْكِبَارِ. ثُمَّ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ-هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ-حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ [عَنْ أَنَسٍ] (١) فِي قَوْلِهِ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُكَلِّمُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى) فَكَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ ومعه راية سوداء-
(١) تنبيه: ما بين المعقوفين ليس في أصل مسند أبي يعلى وتفسير عبد الرزاق. وهل من النسخ، وأظنه مقحما. والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute