للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بَعْدَ مَا أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ وَالْبَيِّنَاتِ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرِقٍ: "أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً". قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" (١) .

وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} كَقَوْلِهِ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٥] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: حُنَفَاءُ، أَيْ: مُتَحنفين عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ. كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النَّحْلِ: ٣٦] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ الْحَنِيفِ فِي سُورَةِ "الْأَنْعَامِ" (٢) بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.

{وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} وَهِيَ أَشْرَفُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ (٣) وَالْمَحَاوِيجِ. {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أَيْ: الْمِلَّةُ الْقَائِمَةُ الْعَادِلَةُ، أَوِ: الْأُمَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ الْمُعْتَدِلَةُ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) }


(١) جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة، وأنس، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن عوف المزني، وعوف بن مالك، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو حديث صحيح مشهور" وانظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (١/٤٤٧-٤٥٠) .
(٢) عند تفسير الآية: ١٦١.
(٣) في أ: "الفقير".

<<  <  ج: ص:  >  >>