للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ} لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: {اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ} عَلَى رَسُولِهِ، وَاتْرُكُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ (١) مِنَ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ، قَالُوا فِي جَوَابِ ذَلِكَ: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا} أَيْ: وَجَدْنَا {عَلَيْهِ آبَاءَنَا} أَيْ: مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} أَيِ: الَّذِينَ يَقْتَدُونَ بِهِمْ وَيَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ {لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ فَهْمٌ وَلَا هِدَايَةٌ!!.

وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ تَعَالَى مَثَلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} [النَّحْلِ: ٦٠] فَقَالَ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ كَالدَّوَابِّ السَّارِحَةِ التِي لَا تَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهَا، بَلْ إِذَا نَعَقَ بِهَا رَاعِيهَا، أَيْ: دَعَاهَا إِلَى مَا يُرْشِدُهَا، لَا تَفْقَهُ مَا يَقُولُ وَلَا تَفْهَمُهُ، بَلْ إِنَّمَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَقَطْ.

هَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، نَحْوَ هَذَا.

وَقِيلَ: إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمُ الْأَصْنَامَ التِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَعْقِلُ شَيْئًا، اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُهُ وَلَا تُبْصِرُهُ، وَلَا بَطْشَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ فِيهَا (٢) . وَقَوْلُهُ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} أَيْ: صُمٌّ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، بُكْمٌ لَا يَتَفَوَّهُونَ بِهِ، عُمْيٌ عَنْ رُؤْيَةِ طَرِيقِهِ وَمَسْلَكِهِ {فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} أَيْ: لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَفْهَمُونَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْأَنْعَامِ: ٣٩] .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣) }

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَكْلِ مِنْ طَيبات مَا رَزَقَهُمْ تَعَالَى، وَأَنْ يَشْكُرُوهُ عَلَى ذَلِكَ، إِنْ كَانُوا عَبِيدَهُ، وَالْأَكْلُ مِنَ الْحَلَالِ سَبَبٌ لِتَقَبُّلِ الدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ، كَمَا أَنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْحَرَامِ يَمْنَعُ قبولَ الدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الفُضَيل بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هريرة


(١) في أ: "ما أنتم عليه".
(٢) في أ: "لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء بل هي جمادات لا تسمع شيئا".

<<  <  ج: ص:  >  >>