للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ لَهَا مَهْرَهَا، وَجَعَلَهُمَا يَجْتَمِعَانِ.

وَقَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} تَوَعَّدَهُمْ عَلَى مَا يَقَعُ فِي ضَمَائِرِهِمْ مِنْ أُمُورِ النِّسَاءِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِضْمَارِ الْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ، ثُمَّ لَمْ يُؤْيِسْهُم مَنْ رَحِمَتْهُ، وَلَمْ يُقْنطهم مِنْ عَائِدَتِهِ، فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (١) .

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) }

أَبَاحَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَلَاقَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْمَسُّ: النِّكَاحُ. بَلْ وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَالْفَرْضِ لَهَا إِنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً، وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا انْكِسَارٌ لِقَلْبِهَا؛ وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى بِإِمْتَاعِهَا، وَهُوَ تَعْوِيضُهَا عَمَّا فَاتَهَا بِشَيْءٍ تُعْطَاهُ مِنْ زَوْجِهَا بِحَسْبَ حَالِهِ، عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمِّيَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مُتْعَةُ الطَّلَاقِ أَعْلَاهُ الْخَادِمُ، وَدُونَ ذَلِكَ الْوَرِقُ، وَدُونَ ذَلِكَ الْكُسْوَةُ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنْ (٢) كَانَ مُوسِرًا مَتَّعَهَا بِخَادِمٍ، أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَمْتَعَهَا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَوْسَطُ ذَلِكَ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَجِلْبَابٌ. قَالَ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يُمَتِّعُ بِخَمْسِمِائَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ يُمتع بِالْخَادِمِ، أَوْ بِالنَّفَقَةِ، أَوْ بِالْكِسْوَةِ، قَالَ: وَمَتَّعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ (٣) وَيُرْوَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ:

متاعٌ قليلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارق ...

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّهُ مَتَى تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مِقْدَارِ الْمُتْعَةِ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ، إِلَّا عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُتْعَةِ، وَأَحَبُّ ذَلِكَ إليَّ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّهُ مَا تُجْزِئُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَا أَعْرِفُ فِي الْمُتْعَةِ قَدْرًا (٤) إِلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٥) .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا: هَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ، أَوْ إِنَّمَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا؟ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [الْبَقَرَةِ:٢٤١] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الْأَحْزَابِ:٢٨] وَقَدْ كن مفروضا لهن ومدخولا بهن، (٦) وهذا


(١) في جـ، أ، و: "غفور حليم" وهو الصواب.
(٢) في أ: "إذا".
(٣) ورواه الطبري في تفسيره (٥/١٢٣) من طريق عبد الرزاق به.
(٤) في جـ، أ، و: "وقتا".
(٥) في جـ: "عنه".
(٦) في جـ: "وقد كن مدخولا بهن ومفروضا لهن".

<<  <  ج: ص:  >  >>