للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبير، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الْجَدِيدَ الصَّحِيحَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَإِنْ كَانَتْ مَفْرُوضًا لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الْأَحْزَابِ:٤٩] قَالَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَحْزَابِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي أسَيد أَنَّهُمَا قَالَا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَكَأَنَّمَا (١) كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أَسِيدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رازِقِيَّين (٢) (٣) .

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُتْعَةَ إِنَّمَا تَجِبُ لِلْمُطَلَّقَةِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَمْ يَفْرِضْ (٤) لَهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِذَا كَانَتْ مُفَوَّضَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَضَ لَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ شَطْرُهُ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَقَرَّ الْجَمِيعُ، وَكَانَ ذَلِكَ عِوَضًا لَهَا عَنِ الْمُتْعَةِ، وَإِنَّمَا الْمُصَابَةُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا وَلَمْ يُدْخَلْ بِهَا فَهَذِهِ الَّتِي دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى وُجُوبِ مُتْعَتِهَا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ: مَنِ اسْتَحَبَّهَا لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مِمَّنْ عَدَا الْمُفَوَّضَةَ الْمُفَارِقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ: وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْكُورٍ (٥) وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ آيَةُ التَّخْيِيرِ فِي الْأَحْزَابِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [الْبَقَرَةِ:٢٤١] .

وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ الْقَزْوِينِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا عمرو -يَعْنِي ابْنَ أَبِي قَيْسٍ -عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ذَكَرُوا لَهُ الْمُتْعَةَ، أَيُحْبَسُ فِيهَا؟ فَقَرَأَ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا حَبَسَ (٦) فِيهَا، وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَحَبَسَ فِيهَا الْقُضَاةُ.

{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧) }

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمُتْعَةِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْأُولَى (٧) حَيْثُ إِنَّمَا أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ، وَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَّ وَاجِبٌ آخَرُ من


(١) في أ، و: "فكأنها".
(٢) في جـ: "درافتين".
(٣) صحيح البخاري برقم (٥٢٢٦) .
(٤) في جـ: "ولم يعرض"
(٥) في جـ: "بمعلوم".
(٦) في جـ: "أحسن".
(٧) في أ: "الكريمة".

<<  <  ج: ص:  >  >>