للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ اخْتَارَ هَذِهِ الْبُيُوتَ عَلَى سَائِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَاصْطَفَى آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، خَلَقَهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَهْبَطَهُ مِنْهَا، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ.

وَاصْطَفَى نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَجَعَلَهُ أَوَّلُ رَسُولٍ [بَعَثَهُ] (١) إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، لَمَّا عَبَدَ النَّاسُ الْأَوْثَانَ، وَأَشْرَكُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانَا، وَانْتَقَمَ لَهُ لَمَّا طَالَتْ مُدَّتُهُ بَيْنَ ظَهْرَاني قَوْمِهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا فِرَارًا، فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَأَغْرَقَهُمُ اللَّهُ عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ.

وَاصْطَفَى آلَ إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْهُمْ: سَيِّدُ الْبَشَرِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالْمُرَادُ بِعِمْرَانَ هَذَا: هُوَ وَالِدُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، أُمِّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسار (٢) رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ عِمْرَانُ بْنُ يَاشَمَ بْنِ أَمُونَ بْنِ مَيْشَا بْنِ حِزْقِيَا بْنِ أحريق بن يوثم بن عزاريا (٣) ابن أَمْصِيَا بْنِ يَاوشَ بْنِ أجريهو بْنِ يَازِمَ بْنِ يَهْفَاشَاطَ بْنِ إِنْشَا بْنِ أَبِيَّانَ (٤) بْنِ رُخَيْعَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. فَعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.

{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) }

امْرَأَةُ عِمْرَانَ هَذِهِ أَمُّ مَرْيَمَ [بِنْتِ عِمْرَانَ] (٥) عَلَيْهَا السَّلَامُ (٦) وَهِيَ حَنَّة بِنْتُ فَاقُوذَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ امْرَأَةً لَا تَحْمِلُ، فَرَأَتْ يَوْمًا طَائِرًا يَزُقُّ فَرْخَهُ، فَاشْتَهَتِ الْوَلَدَ، فَدَعَتِ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَهَبَهَا وَلَدًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا، فَوَاقَعَهَا زَوْجُهَا، فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَلِمَا تَحَقَّقَتِ الْحَمْلَ نَذَرَتْهُ أَنْ يَكُونَ {مُحَرَّرًا} أَيْ: خَالِصًا مُفَرَّغًا لِلْعِبَادَةِ، وَلِخِدْمَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَتْ: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أَيْ: السَّمِيعُ لِدُعَائِي، الْعَلِيمُ بِنيتي، وَلَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ مَا فِي بَطْنِهَا أَذَكَرًا أَمْ أُنْثَى؟ {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} قُرِئَ بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى أَنَّهَا تَاءُ الْمُتَكَلِّمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ قَوْلِهَا، وقُرئ بِتَسْكِينِ التَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى} أَيْ: فِي الْقُوَّةِ والجَلَد فِي الْعِبَادَةِ وَخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ السياق؛ لأنه شرع من


(١) زيادة من ج، ر، أ، و.
(٢) في أ: "بشار".
(٣) في و: "عزازيا".
(٤) في ر، أ: "أثان"، وفي و" "أيان".
(٥) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(٦) في و: "سم".

<<  <  ج: ص:  >  >>