للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٦) }

هَذِهِ بِشَارَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، بِأَنْ سَيُوجَدُ مِنْهَا وَلَدٌ عَظِيمٌ، لَهُ شَأْنٌ كَبِيرٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} أَيْ: بِوَلَدٍ يَكُونُ وُجُودُهُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ: بِقَوْلِهِ لَهُ: "كُنْ" فَيَكُونُ، وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: ٣٩] كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} أَيْ يَكُونُ مَشْهُورًا بِهَذَا فِي الدُّنْيَا، يَعْرِفُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ.

وَسُمِّيَ الْمَسِيحُ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِكَثْرَةِ سِيَاحَتِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ مَسِيحَ (١) الْقَدَمَيْنِ: [أَيْ] (٢) لَا أخْمَص لَهُمَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ [كَانَ] (٣) إِذَا مَسَحَ أَحَدًا مِنْ ذَوِي الْعَاهَاتِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ: {عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} نِسْبَةً لَهُ إِلَى أُمِّهِ، حَيْثُ لَا أَبَ لَهُ {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أَيْ: لَهُ وَجَاهَةٌ وَمَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، بِمَا يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَيُنَزِّلُ (٤) عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ بِهِ، وَفِي الدَّارِ الْآخِرَةِ يَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ فِيمَنْ يَأْذَنُ لَهُ فِيهِ، فَيَقْبَلُ مِنْهُ، أُسْوَةً بِإِخْوَانِهِ (٥) مِنْ أُولِي الْعَزْمِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} أَيْ: يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فِي حَالِ صِغَرِهِ، مُعْجِزَةً وَآيَةً، وَ [فِي] (٦) حَالِ كُهُولِيَّتِهِ (٧) حِينَ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ {وَمِنَ الصَّالِحِينَ} أَيْ: فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، لَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيط، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَكَلَّمَ مَوْلُود فِي صِغَرِهِ إِلَّا عِيسَى وصَاحِبَ جُرَيْج" (٨) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الصَّقْرِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَزْعَة، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ -يَعْنِي الْمَرْوَزِيَّ-حَدَّثَنَا جَرِيرٌ -يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ-عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لمَْ يَتَكَّلَمْ فِي المهدِ إِلَّا ثَلاثَة، عِيسى، وصَبِيٌّ كَانَ فِي زَمَنِ جُرَيْج، وصبيٌّ آخَرُ" (٩) .


(١) في ر: "يسيح".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من أ.
(٤) في أ، و: "وينزله".
(٥) في جـ، أ: "إخوانه"، وفي ر، و: "إخوته".
(٦) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(٧) في جـ، أ، و: "كهولته".
(٨) وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ (٢/٢٧٢، ٢٧٣) مِنْ طريق أبيه عن أحمد بن شعيب عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به.
(٩) تفسير ابن أبي حاتم (٢/٢٧٢) ورواه البخاري في صحيحه برقم (٣٤٣٦) (٢٤٨٢) ومسلم في صحيحه برقم (٢٥٥٠) من طريق جرير بن حازم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>