للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بعد: فهذه كلمات في بيان دية النفس المسلمة إذا قتلت وديات جراحها، وكسر العظام والسن، جمعتها من الأحاديث النبوية، وأقوال العلماء المعتبرين، متحرياً في ذلك طريق الصواب، سائلاً الله تعالى التوفيق والتسديد في القول والعمل.

أقول مستعيناً بالله تعالى: لا يعلم خلاف بين أهل العلم في أن الإبل اصل في الدية، وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل، وهل هي الأصل لا غيره وما سواها من باب القيمة، أو معها غيرها.

الراجح عند أئمة الدعوة رحمة الله عليهم أنها هي الأصل لا غير، وما سواها من باب القيمة، وهذا اختيار الخرقي والموفق من كبار علماء الحنابلة، وهو مقتضى الأحاديث كحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن في قتيل عمدٍ الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلقة في بطونها أولادها" (١) . وفي حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه "وفي النفس مائة من الإبل" (٢) .

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بني مخاض ذكر وعشرون بنت لبون". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن عمر رضي الله عنه قام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، رواه أبو داود. فهذا يدل على أن الأصل في الديات الإبل. فإن إيجاب عمر رضي الله عنه لهذه المذكورات على سبيل التقويم من أجل غلاء الإبل، ولو كانت أصولاً بنفسها لم يكن إيجابها تقويماً للإبل. ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك، ولا كان لذكره معنى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الإبل، ولأنه بدل متلف حق الآدمي فكان متعيناً كعوض الأموال.


(١) أخرجه النسائي، وفي لفظ "ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل أربعون في بطونها أولادها.
(٢) أخرجه النسائي والبيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>