للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو عبيد أحد الأئمة الأربعة الذين هم الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد، وله من المعرفة بالفقه واللغة والتأويل ما هو أشهر من أن يوصف، وقد كان في الزمان الذي ظهرت فيه الفتن والأهواء، وقد أخبر أنه ما أدرك أحداً من العلماء يفسرها، أي: تفسير الجهمية.

وروى اللالكائي والبيهقي بإسناديهما عن عبد الله بن المبارك، أن رجلاً قال: يا أبا عبد الرحمن، إني أكره الصفة (عني صفة الرب) . فقال له عبد الله بن المبارك: وأنا أشد الناس كراهية لذلك، ولكن إذا نطق الكتاب بشيء قلنا به وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه، ونحو هذا، أراد ابن المبارك أنا نكره أن نبتدئ بوصف الله من تلقاء أنفسنا حتى يجئ به الكتاب والآثار.

وقال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة": واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً، والعجز عن ما لم يدع إليه إيماناً، وأنهم ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه، انتهى. وذكر آيات الصفات وأحاديثها ثم قال بعدها: فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده كيف هو ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان. انتهى.

واعلم أن كلام أئمة الهدى في هذا الباب واسع جداً، ولكن عليك بمراجعة ما كتبوه في كتبهم التي سنوضح لك.

وأما كلام أهل السنة والجماعة في "الاستواء" و"العلو" فمن ذلك: روى أبو بكر البيهقي في كتابه "الأسماء والصفات" بإسناد صحيح، عن الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة. وروى الخلال بإسناد كلهم ثقات، عن سفيان ابن عيينة، قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} . كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق وورى أبو الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى قال: كنا عند مالك ابن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} . كيف

<<  <  ج: ص:  >  >>