للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ، يُرَادُ بِهِ عِنْدَ مَنْ قَالَ هَذَا، نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيُ أَصْلِهِ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْآيَةِ لَا يُسَاعِدُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (وَلَمَّا يَدْخُلِ) فِعْلٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَهُوَ صِيغَةُ عُمُومٍ، عَلَى التَّحْقِيقِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَكَّدْ بِمَصْدَرٍ، وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ جِدًّا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا. وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ الصِّنَاعِيَّ يَنْحَلُّ، عَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، وَعَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ وَنِسْبَةٍ عِنْدَ الْبَلَاغِيِّينَ، كَمَا حَرَّرُوهُ فِي مَبْحَثِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ، وَهُوَ أَصْوَبُ. فَالْمَصْدَرُ كَامِنٌ فِي مَفْهُومِ الْفِعْلِ الصِّنَاعِيِّ إِجْمَاعًا، وَهُوَ نَكِرَةٌ لَمْ تَتَعَرَّفْ بِشَيْءٍ فَيُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ. وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ إِلَى أَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الشَّرْطِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُوم بقوله:

وَنَحْوُ لَا شَرِبْتُ أَوْ إِنْ (١) شَرِبَا ... وَاتَّفَقُوا إِنْ مَصْدَرٌ قَدْ جَلَبَا

وَوَجْهُ إِهْمَالِ لَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لاَ خَوْفٌ) أَنَّ لَا الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) بَعْدَهَا مَعْرِفَةٌ وَهِيَ الضَّمِيرُ، وَهِيَ لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ، بَلْ فِي النَّكِرَاتِ، فَلَمَّا وَجَبَ إِهْمَالُ الثَّانِيَةِ، أُهْمِلَتِ الْأُولَى لِيَنْسَجِمَ الْحَرْفَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ فِي إِهْمَالِهِمَا مَعًا] (٢) .

فَائِدَة: تَحْقِيق القَوْل فِي الْأَعْرَاب:

[قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) . ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابَ وَهُمْ أَهْلُ الْبَادِيَةِ مِنَ الْعَرَبِ قَالُوا آمَنَّا، وَأَنَّ اللَّهَ جلّ وَعلا أَمر نبيه


(١) - بِالْأَصْلِ: "وَإِن"، وَالصَّوَاب حذف الْوَاو.
(٢) - ٧/٢٧٨ - ٢٨٠، الزخرف /٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>