للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} .

وَبَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ يُخَاطَبُ بِخِطَابٍ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ غَيْرُهُ يَقِينًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَأَنْ أَمَّهُ مَاتَتْ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يُخَاطِبُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عِنْدَهُ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا، وَلَا كِلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا قَدْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَنَهْيَهُ لَهُ فِي قَوْلِهِ {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} : إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّشْرِيعُ عَلَى لِسَانِهِ لِأُمَّتِهِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ هُوَ نَفْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ، وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ رَجَزَ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ الَّذِي خَاطَبَ بِهِ امْرَأَةً، وَهُوَ يَقْصِدُ أُخْرَى وَهِيَ أُخْتُ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ الطَّائِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ:

يَا أُخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَهْ ... كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَهْ

أَصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ ... إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ

وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الرَّجَزَ الَّذِي أَجَابَتْهُ بِهِ الْمَرْأَةَ، وَقَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} ، هُوَ الْخِطَابُ بِصِيغَةِ الْمُفْرِدِ، الَّذِي يُرَادُ بِهِ عُمُومُ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ خِطَابُهُ. كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ فِي مُعَلَّقَتِهِ:

سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا ... وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

أَيْ سَتُبْدِي لَكَ وَيَأْتِيكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الَّذِي يَصِحُّ خِطَابُكَ، وَعَلَى هَذَا فَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ، غَيْرَ صَحِيحٍ، وَفِي سِيَاقِ الْآيَاتِ قَرِينَةٌ قُرْآنِيَّةٌ وَاضِحَةٌ دَالَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>