للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} . أَجْمَلَ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ فَصَّلَهَا فِيمَا بَعْدَهَا {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً} .

وَفِي هَذَا قِيلَ: إِنَّ الْبَيِّنَةَ هِيَ نَفْسُ الرَّسُولِ فِي شَخْصِهِ، لِمَا كَانُوا يَعْرِفُونَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ} ، وَقَوْلِهِ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ} .

فَكَأَنَّ وُجُودَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِهِ بَيِّنَةٌ لَهُمْ.

وَلِذَا جَاءَ فِي الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ عَرَفُوا يَوْمَ مَوْلِدِهِ بِظُهُورِ نَجْمِ نَبِيِّ الْخِتَانِ (١) إِلَى آخَرِ أَخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، وَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَبِمَا كَانَ مُتَّصِفًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ جَمِيلِ الصِّفَاتِ كَمَا قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ عِنْدَ بَدْءِ الْوَحْيِ لَهُ وَفَزَعِهِ مِنْهُ: «كَلَّا واللَّه لَنْ يُخْزِيَكَ اللَّه، واللَّه إِنَّكَ لَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ» إِلَى آخِرِهِ (٢) ، وَقَوْلِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ: «واللَّه مَا رَأَيْتُهُ لَعِبَ مَعَ الصِّبْيَانِ وَلَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ كِذْبَةً» (٣) إِلَخْ. وَقَدْ لَقَّبُوهُ بِالْأَمِينِ، وَحَادِثَةُ شَقِّ الصَّدْرِ فِي رضاعه، بل وَقبل ذَلِكَ فِي قِصَّةِ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّه، لَمَّا تَعَرَّضَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرِيدُهُ لِنَفْسِهَا، فَأَبَى. وَلَمَّا تَزَوَّجَ وَدَخَلَ بِآمِنَةَ أُمِّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لقيها بعد


(١) - أخرجه ابْن إِسْحَاق فِي سيرته (ص/٦٢) من حَدِيث حسان بن ثَابت - رَضِي الله عَنهُ - بِنَحْوِهِ، فَقَالَ: " والله إِنِّي لغلام يافع ابْن سبع سِنِين أَو ابْن ثَمَان سِنِين اعقل كل مَا سَمِعت إِذْ سَمِعت يَهُودِيّا وهُوَ على أطمه بِيَثْرِب يصْرخ: يَا معشر يهود فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَالُوا: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟ قَالَ: " طلع نجم أَحْمد الَّذِي يبْعَث بِهِ اللَّيْلَة " وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا أَن فِيهِ جَهَالَة الرَّاوِي عَن يحيى بن عبد الله.
(٢) - أخرجه البُخَارِيّ (٤/١٨٩٤) (٤٦٧٠) ، وَمُسلم (١/١٣٩) (١٦٠) من حَدِيث عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - مطولا بِهِ.
(٣) - لم أَقف عَلَيْهِ مُسْندًا، وَإِنَّمَا نَقله الشَّيْخ عَطِيَّة - رَحمَه الله - عَن الألوسي فِي تَفْسِيره (٣٠/١٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>