للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الْهدى الْعَام وَالْخَاص.

[قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} . قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {فَهَدَيْنَاهُمْ} الْمُرَادُ بِالْهُدَى فِيهِ هُدَى الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ، وَالْإِرْشَادِ، لَا هُدَى التَّوْفِيقِ وَالِاصْطِفَاءِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَهُ {فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِدَايَةَ تَوْفِيقٍ لَمَا انْتَقَلَ صَاحِبُهَا عَنِ الْهُدَى إِلَى الْعَمَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أَي اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَانِ، وَآثَرُوهُ عَلَيْهِ، وَتَعَوَّضُوهُ مِنْهُ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذكرنَا يُوضحهُ قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} فَقَوْلُهُ فِي آيَةِ التَّوْبَةِ هَذِهِ: {إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ هُنَا: فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحياةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} فَلَفْظَةُ اسْتَحَبَّ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا مَا تَتَعَدَّى بِعَلَى؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى اخْتَارَ وَآثَرَ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ هُودِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى} . أَنَّ الْعَمَى الْكُفْرُ، وَأَنَّ

الْمُرَادَ بِالْأَعْمَى فِي آيَاتٍ عَدِيدَةٍ الْكَافِرُ. وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ الْهُدَى يَأْتِي فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَاهُ الْعَامِّ، الَّذِي هُوَ الْبَيَانُ، وَالدَّلَالَةُ، وَالْإِرْشَادُ، لَا يُنَافِي أَنَّ الْهُدَى قَدْ يُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، عَلَى الْهُدَى الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ التَّوْفِيقُ، وَالِاصْطِفَاءُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>