للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْ إِطْلَاقِ الْقُرْآنِ الْهُدَى عَلَى مَعْنَاهُ الْعَامِّ قَوْلُهُ هُنَا: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ طَرِيقَ الْحَقِّ وَأَمَرْنَاهُمْ بِسُلُوكِهَا، وَطُرُقِ الشَّرِّ وَنَهَيْنَاهُمْ عَنْ سُلُوكِهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا صَالِحٍ، عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أَي اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان بَعْدَ إِيضَاحِ الْحَقِّ لَهُمْ.

وَمِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْعَامِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُدَى تَوْفِيقٍ لَمَا قَالَ: {وَإِمَّا كَفُوراً} .

وَمِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْخَاصِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى} . وَقَوْلُهُ: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} .

وَبِمَعْرِفَةِ هَذَيْنِ الْإِطْلَاقَيْنِ تَتَيَسَّرُ إِزَالَةُ إِشْكَالٍ قُرْآنِيٍّ: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى: أَثْبَتَ الْهُدَى لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آيَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وَنَفَاهُ عَنْهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} .

فَيُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا: أَنَّ الْهُدَى الْمُثْبَتَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ الْهُدَى الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْبَيَانُ، وَالدَّلَالَةُ وَالْإِرْشَادُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ، حَتَّى تَرَكَهَا لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا هَالِكٌ.

وَالْهُدَى الْمَنْفِيُّ عَنْهُ فِي آيَةِ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} هُوَ الْهُدَى الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ التَّفَضُّلُ بِالتَّوْفِيقِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>