للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: الْحُكْمُ: النُّبُوَّةُ. وَالْعِلْمُ: الْمَعْرِفَةُ بِأَمْرِ الدِّينِ، وَمَا يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ بَيْنَ الْخُصُومِ. وَقِيلَ: عِلْمًا فَهْمًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حُكْمًا: حِكْمَةً، وَهُوَ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، أَوْ فَصْلًا بَيْنَ الْخُصُومِ، وَقِيلَ: هُوَ النُّبُوَّةُ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: أَصْلُ الْحُكْمِ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. فَمَعْنَى الْآيَاتِ: أَنَّ اللَّهَ آتَاهُ

مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ مَا يَمْنَعُ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ مِنْ أَنْ يَعْتَرِيَهَا الْخَلَلُ.

وَالْقَرْيَةُ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ: هِيَ سَدُومُ وَأَعْمَالُهَا، وَالْخَبَائِثُ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُهَا جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: {مِنْهَا} اللِّوَاطُ، وَأَنَّهُمْ هُمْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ مِنَ النَّاسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} ، وَقَالَ {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} . وَمِنَ الْخَبَائِثِ الْمَذْكُورَةِ إِتْيَانُهُمُ الْمُنْكَرَ فِي نَادِيهِمْ، وَقَطْعُهُمُ الطَّرِيقَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} . وَمِنْ أَعْظَمِ خَبَائِثِهِمْ: تَكْذِيبُ نَبِيِّ اللَّهِ لُوطٍ وَتَهْدِيدُهُمْ لَهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الْوَطَنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: {قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ كِتَابِهِ: أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ فَقَلَبَ بِهِمْ بَلَدَهُمْ، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} وَالْآيَاتُ بِنَحْوِ ذَلِك ... كَثِيرَة.] (١) .


(١) - ٤/٦٤٧: ٦٤٩، الْأَنْبِيَاء/٧٤، ٧٥، وَانْظُر أَيْضا: (٢/٢٩١ - ٢٩٢) (الْأَعْرَاف/ ٨٠، ٨٣) ، (٣/٢٧: ٣٥) (هود/٧٤، ٧٧: ٨١) ، وَغير ذَلِك من الْمَوَاضِع.

<<  <  ج: ص:  >  >>