للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالْحَرَكَةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، كَحَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ فَرْقًا ضَرْورِيًا، لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ.

وَأَنَّكَ لَوْ ضَرَبْتَ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْخَلْقَ مَجْبُورُونَ، وَفَقَأَتْ عَيْنَهُ مَثَلًا، وَقَتَلْتَ وَلَدَهُ وَاعْتَذَرْتَ لَهُ بِالْجَبْرِ، فَقُلْتَ لَهُ: أَنَا مَجْبُورٌ وَلَا إِرَادَةَ لِي فِي هَذَا السُّوءِ الَّذِي فَعَلْتُهُ بِكَ، بَلْ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ، وَأَنَا لَا دَخْلَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْكَ هَذِهِ الدَّعْوَى بِلَا شَكٍّ.

بَلْ يُبَالِغُ فِي إِرَادَةِ الِانْتِقَامِ مِنْكَ قَائِلًا: إِنَّ هَذَا بِإِرَادَتِكَ وَمَشِيئَتِكَ.

وَمِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَفْعَالِهِ دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ، أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَ عِلْمَ اللَّهِ بِكُلِّ شَيْءٍ، قَبْلَ وُقُوعِهِ وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مُكَابِرٌ.

وَسَبْقُ عِلْمِ اللَّهِ بِمَا يَقَعُ مِنَ الْعَبْدِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى بُطْلَانِ تِلْكَ الدَّعْوَى.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ لِلْقَدَرِيِّ: إِذَا كَانَ عِلْمُ اللَّهِ فِي سَابِقِ أَزَلِهِ تَعَلَّقَ بِأَنَّكَ تَقَعُ مِنْكَ السَّرِقَةُ أَوِ الزِّنَا فِي مَحَلِّ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا، وَأَرَدْتَ أَنْتَ بِإِرَادَتِكَ الْمُسْتَقِلَّةِ فِي زَعْمِكَ دُونَ إِرَادَةِ اللَّهِ أَلَّا تَفْعَلَ تِلْكَ السَّرِقَةَ أَوِ الزِّنَا الَّذِي سَبَقَ بِعِلْمِ اللَّهِ وُقُوعُهُ، فَهَلْ يُمْكِنُكَ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ؟ وتُصيِّر عِلْمَ اللَّهِ جَهْلًا، بِحَيْثُ لَا يَقَعُ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وُقُوعُهُ فِي وَقْتِهِ الْمُحَدِّدِ لَهُ؟

وَالْجَوَابُ بِلَا شَكٍّ: هُوَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} .

وَلَا إِشْكَالَ أَلْبَتَّةَ فِي أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً وَإِرَادَةً يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، ثُمَّ يَصْرِفُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَإِرَادَتَهُ إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>