للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: هذا الخبر لا يثبته أَهل العلم بالحديث ولا هو مما يحتج به عندهم: فامرأَة أَبي إسحاق وامرأَة أَبى السفر وأُم ولد زيد بن أَرقم كلهن غير معروفات بحمل العلم. وفى مثل هؤلاءِ روى شعبة عن أَبي هاشم أَنه قال: "كانوا يكرهون الرواية عن النساءِ إِلا عن أَزواج النبي ". والحديث منكر اللفظ لا أصل له؛ لأن الأعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد، وإِنما يحبطها الارتداد؛ ومحال أَن تلزم عائشة زيدًا التوبة برأْيها وتكفره باجتهادها، هذا ما لا ينبغي أَن يظن بها ولا يقبل عليها (١). وقد رد عمر خبر فاطمة بنت قيس في السكنى دون النفقة للمبتوتة وقال: "ما كنا نجيز في ديننا شهادة امرأَة".

قال أَبو عمر: فكيف بامرأَة مجهولة (٢).

سؤال: ما الحكمة في تخصيصها الإِبطال بالجهاد، ولم تقل أَبطل صلاته ولا صيامه؟ والجواب: أَن في كلام أَبى الحسن بن بطال في شرح البخارى ما يؤخذ منه ذلك، وهو أَن السيئات لا تحبط الحسنات، فلهذا لم تذكر الصلاة. ولكن خصت الجهاد بالإبطال لأَنه حرب لأَعداءِ الله، وآكل الربا قد أَذن بحرب من الله فهو ضده، ولا يجتمع الضدان (٣).


= ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ فدلت تلاوتها لآية الربا عند قولها أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالى أن ذلك كان عندها من الربا وهذه التسمية طريقها التوقيف وقد روى ابن المبارك عن حكم بن زريق عن سعيد بن المسيب قال سألته عن رجل باع طعاما من رجل إِلى أجل فأراد الذي اشترى الطعام أن يبيعه بنقد من الذي باعه منه فقال هو ربا ومعلوم أنه أراد شراءه بأقل من الثمن الأول إذ لا خلاف أن شراءه بمثله أو أكثر منه جائز فسمى سعيد بن المسيب ذلك ربا وقد روى النهي عن ذلك عن ابن عباس والقاسم بن محمد ومجاهد وإبراهيم والشعبى وقال الحسن وابن سيرين في آخرين إن باعه بنقد جاز أن يشتريه فإن كان باعه بنسيئة لم يشتره بأقل منه إلا أن بعد يحل الأجل وروى عن ابن عمر أنه إذا باعه ثم اشتراه بأقل من ثمنه جاز ولم يذكر فيه قبض الثمن وجائز أن يكون مراده إذا قبض الثمن فدل قول عائشة وسعيد بن المسيب أن ذلك ربا فعلمنا أنهما لم يسمياه ربا إلا توقيفا إذ لا يعرف ذلك اسما له من طريق اللغة فلا يسمى به إلا من طريق الشرع وأسماء الشرع توقيف من النبي والله تعالى أعلم. بالصواب.
(١) الاستذكار: (١٩/ ٢٥ - ٢٦).
(٢) كلام أبي عمر في الاستذكار: "إذا كان هذا في امرأة معروفة بالدين والفضل فكيف بامرأة مجهولة؟ " (١٩/ ٢٦)
(٣) انظر: توثيق عائشة للسنة، ص: (٢٥١ - ٢٥٣)