للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- مقالة المجلات في القرن الثامن عشر:

كانت المقالة في القرن السابع عشر، فنا ثانويا يعيش على هامش الفنون الأخرى كالشعر والمسرحية. وقد صد عنها أكثر الكتاب في هذا القرن. أما هؤلاء الذين عنوا بها، فلم يتفرغوا لكتابتها كل التفرغ، بل كانوا يتخذون منها وسيلة للتسلية ولتزجية الوقت في فترات الدعة والفراغ. وقد كان قراؤها كذلك أقلية ضئيلة، بالنسبة إلى مجموع القراء، وكانوا من الطبقة الممتازة التي تعنى بالأدب عناية خاصة.

أما في القرن الثامن عشر، فقد انبرى لكتابتها أعلام الكتاب، وتفرغوا لها واعتبروها فنا قائما بذاته حسب الكاتب أن ينبغ فيه حتى تكتب له الشهرة والخلود. وقد لحقها تطور كبير في المحتوى، تبعا لذلك، فلم تقتصر على التأملات الذاتية في بعض المشكلات التي تعرض للإنسان في حياته الخاصة، أو في علاقته بالمجتمع، بل اتجهت نحو تحليل مظاهر الحياة المعاصرة، وتناولها بالنقد والتجريح. كما طرأ عليها تغير من حيث الأسلوب، فاصطنع لها أسلوب إنشائي جديد، وطرق مستحدثة في العرض والتحليل، حتى نستطيع أن نقول إنها غدت في هذا القرن فنا أدبيا جديدا.

ويعزى الفضل في هذا التطور الذي لحقها، إلى جهود كاتبين برزا في هذه الفترة، هما رتشارد ستيل "١٦٧٢-١٧٢٩م" وصديقه جوزيف أديسون "١٦٧٢-١٧١٩م". وقد توفرت لديهما الموهبة المبدعة، وأتيح لهما من الظروف ما ساعدهما على إبراز هذه الموهبة، وتعهدها بالصقل والتهذيب.

وكان أعظم هذه الظروف أثرا في تطور المقالة على النحو الذي ألمحنا إليه تطور المجلات الأدبية في ذلك الحين. ففي السنوات القليلة التي عقبت ١٦٨٨م، وما رافقها من ازدياد عناية الناس بالشئون السياسية، وتراخي قبضة الرقابة على الرأي العام، أخذت الصحف الحديثة تظهر على الناس في أعداد وفيرة. وخطر لبعض الكتاب أن

<<  <   >  >>