للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: أنواع أدبية أخرى ترجمة الحياة. المقال. الخاطرة]

[ترجمة الحياة]

...

الفصل الرابع: أنواع أدبية أخرى: ترجمة الحياة، المقال، الخاطرة

١- ترجمة الحياة:

لا تقتصر الفنون الأدبية على الشعر والقصة والمسرحية بأنواعها المختلفة، وإن كانت هذه هي الأنواع الكبرى الذائعة منذ أقدم العصور، فإن هناك فنونًا أخرى لا تقل رواجًا في السوق الأدبية وتستحق منا العناية والدراسة. وهي فنون حديثة العهد بالقياس إلى فن الشعر أو فن المسرح. وهي في الحقيقة مرتبطة بظهور فن الكتابة النثرية؛ لأن ترجمة الحياة والمقال والخاطرة جميعًا فنون نثرية.

وترجمة الحياة Biography هي الكتابة عن أحد الأشخاص البارزين لجلاء شخصيته، والكشف عن عناصر العظمة فيها. ولسنا نريد بذلك أن نعرف هذا الفن؛ لأن ترجمة الحياة تتسع لتشمل جوانب العظمة وجوانب الانحطاط -إن وجدت- في الشخصية المترجم لها. فالترجمة في الواقع عملية تحليلية لكل مركز من عناصر كثيرة مختلفة هو الشخصية. ومن خلال هذا التحليل تبرز القيم الإنسانية التي تنطوي عليها الشخصية، والتي يهم الآخرين الاطلاع عليها.

ولكي نفهم عملية التحليل التي تتم في ترجمة الحياة ينبغي أن نفهم معنى الشخصية. وكتب علم النفس تمدنا بكثير من المعرفة الخاصة بالشخصية، ولكننا -دون الدخول في تفصيلات الدراسة النفسية- نستطيع أن نقرر أن الشخصية "مجموعة من المجالات"، فأنا مع أصدقائي غيري مع أقاربي، وأنا مع تلاميذي غيري مع أساتذتي، وأنا مع جاري غيري مع الشخص الغريب، ومع المصري غيري مع الأجنبي ... وهلم، ففي كل حالة من هذه يظهر جانب خاص من شخصيتي يكون هو الغالب على الموقف. وهو يظهر نتيجة لوجودي مع شخص معين، فوجودي مع ذلك الشخص حدد لي مجالًا معينًا للتفاعل والتفاهم والسلوك بعامة، فحين يزورني أقاربي من الريف يظهر من شخصيتي الجانب الذي يستطيع أن يتفاعل معهم، أو الجانب الذي يستطيع أن يدخل في مجالهم. وهذا الجانب يختفي تمامًا حينما يجمعني بشخص أجنبي مكان، وعندئذ يظهر جانب آخر، أو مجال آخر ... وهكذا، فمن دراسة "العلاقات" التي تجمع الشخص بآخرين، وكذلك التي تتمثل في تصرفات الشخص الخاصة في المواقف المختلفة،

<<  <   >  >>