للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

تكنفني الوشاة فأعجوني ... فيا للناس للواشي المطاع١

وفي الحديث لما طعن العلج - أو العبد - عمر بن الخطاب رضوان الله عليه صاح: يا لله يا للمسلمين!.

وتقول: يا للعجب، إذا كنت تدعو إليه، ويا لغير العجب، كأنك قلت: يا للناس للعجب. وينشد هذا البيت:

يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار٢

فيا لغير اللعنة، كأنه قال: يا قوم لعنة الله والأقوام كلهم.

وزعم سيبويه أن هذه اللام التي للإستغاثة دليل، بمنزلة الألف التي تبين بالهاء في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيداً، فإنما هي للاستغاثة بمنزلة هذه اللام، وذلك قولك: يا قوماه! على غير الندبة، ولكن للاستغاثة ومد الصوت.

والقول كما قال، محلهما عند العرب محل واحد، فإن وصلت حذفت الهاء، لأنها زيدت في الوقف لخفاء الألف، كما تزاد لبيان الحركة، فإذا وصلت أغنى ما بعدها عنها، تقول: يا قوماً تعالوا، ويا زيداً لا تفعل، ولا يجوز أن تقول: يا لزيد وهو مقبل عليك، وكذلك لا يجوز أن تقول: يا زيداه، وهو معك، إنما يقال ذلك للبعيد، أو ينبه به النائم.

فإن قلت: يا لزيد ولعمرو، كسرة اللام في "عمرو" وهو مدعو، لأنك إنما فتحت اللام في "زيد" لتفصل بين المدعو إليه، فلما عطفت على زيد استغنيت عن الفصل، لأنك إذا عطفت عليه شيئاً صار في مثل حاله.

ونظير ذلك الحكاية، يقول الرجل: أرأيت زيداً، فتقول، من "زيداً"? وإنما حكيت قوله ليعلم أنك إنما تستفهمه عن الذي ذكر بعينه، ولا تسأله عن زيد غيره، والموضع موضع رفع، لأنه ابتداء وخبر، فإن قلت: ومن زيد? أو فمن زيد? لم يكن إلا رفعاً، لأنك عطفت على كلامه، فاستغنيت عن الحكاية، لأن العطف لا يكون مستأنفاً.

ونظير هذا الذي ذكرت لك في اللام قول الشاعر:

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب ... يا للكهول وللشبان للعجب!

فقد أحكمت كل ما في هذا الباب.


١ نسبة المرصفي إلي قيس بن ذريح وقبله:
فواكبدي وعاودني رداعي ... وكان فراق لبني كالخداع
٢ سمعان: بفتح السين وكسرها. وكلامها صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>