للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأحارب قوماً إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم، فمن كان شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع. فرجع نفر يسير، ومضى الباقون معه، فلما صاروا بدولاب١ خرج إليهم نافع، فاقتتلوا قتالاً شديداً، حتى تكسرت الرماح، وعقرت الخيل، وكثرت الجراح، والقتلى٢، وتضاربوا بالسيوف والعمد، فقتل في المعركة ابن عبيس ونافع بن الأزرق.

وكان ابن عبيس قد تقدم إلى أصحابه فقال: إن أصبت فأميركم الربيع بن عمرو الأجذم الغداني، فلما أصيب ابن عبيس أخذ الربيع الراية، وكان نافع قد استخلف عبيد الله بن الماحوز السليطي، فكان الرئيسان من بني يربوع: رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع، فاقتتلوا قتالاً شديداً.

وادعى قتل نافع سلامة الباهلي، وقال: لما قتلته وكنت على برذون ورد٣، إذا برجل على فرس - وأنا واقف في خمس قيس - ينادي يا صاحب الورد! هلم إلى المبارزة، فوقفت في خمس بني تميم. فإذا به يعرضها علي، وجعلت أتنقل من خمس إلى خمس إلى خمس، وليس يزايلني، فصرت إلى رحلي، ثم رجعت، فرآني فدعاني إلى المبارزة، فلما أكثر خرجت إليه فاختلفنا ضربتين، فضربته فصرعته، فنزلت لسلبه وأخذ رأسه، فإذا امرأة قد رأتني حين قتلت نافعاً، فخرجت لتثأر به، فلم يزل الربيع الأجذم يقاتلهم نيفاً وعشرين يوماً، حتى قال يوماً: أنا مقتول لا محالة، قالوا: وكيف? قال: لأني رأيت البارحة كأن يدي التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاستشلتني، فلما كان الغد قاتل إلى الليل، ثم غاداهم فقتل. فتدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب، إذ لم يكن لهم رئيس، ثم أجمعوا على الحجاج بن باب الحميري فأباها، فقيل له: ألا ترى أن رؤساء العرب بالحضرة، وقد اختاروك من بينهم! فقال: مشؤومة، ما يأخذها أحد إلا قتل، ثم أخذها، فلم يزل يقاتل الخوارج بدولاب، والخوارج أعد بالآلات والدروع والجواشن٤، فالتقى الحجاج بن باب وعمران بن الحارث الراسبي، وذلك بعد


١ دولاب: قرية بينها وبين الاهواز أربعة فراسخ.
٢ ر: "والقتلى".
٣ الورد: لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة في كل شئ.
٤ الجواشن: جمع جوشن, وهو الدرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>