للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[للفرزدق حين طلق النوار]

وحدثني بعض أصحابنا عن الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن أبي مخزوم عن أبي شفقلٍ راوية الفرزدق، قال: قال لي الفرزدق يوماً: امض بنا إلى حلقة الحسن، فإني أريد أن أطلق النوار، فقلت: إني أخاف عليك أن تتبعها نفسك، ويشهد عليك الحسن وأصحابه، فقال: امض بنا فجئنا حتى وقفنا على الحسن، فقال: كيف أصبحت يا أبا سعيد? فقال: بخير، كيف أصبحت يا أبا فراس? قال: تعلمن أن النوار مني طالق ثلاثاً، فقال الحسن وأصحابه: قد سمعنا، قال: فانطلقنا، قال: فقال لي الفرزدق: يا هذا، إن في قلبي من النوار شيئاً، فقلت: قد حذرتك، فقال:

ندمت ندامة الكسعي لما١ ... غدت مني مطلقةٌ نوار٢

وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار

ولو أني ملكت يدي ونفسي ... لكان علي للقدر الخيار

قال الأصمعي: ما روى المعتمر هذا الشعر إلا من أجل هذا البيت.


١ الكسعى: رجل من كسع، حى من اليمن، اسمه غامد بن الحارث، وكان اتخذ قوساوخمسة أسهم وكمن في طريق قطيع، فرمى حمارا منه، فنفذ فيه السهم وصدم الجبل، فأورى نارا فظن أنه أخطأ، فرمى ثانيا وثالثا إلى آخرها وهو يظن خطأه، فعمد إلى قوسه فكسرها، ثم بات، فلما أصبح نظر فإذا الحمر مطرحه مصرعة، وأسهمه بالدم مضرجة، فندم وقطع إبهامه، وأنشد:
ندمت ندامة لو أن نفسى ... تطاوعنى إذا لقطعت خمسى
تبين لى سفاه الرأى منى ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي
وانظر مجمع الأمثال "٢٧٤:٢".
٢ في زيادات ر بعد هذا البيت:
وكنت كفاقئ عينيه عمدا ... فأصبح لا يضىء له النهار
وما فارقتها شعبا ولكن ... رأيت الزهد يأخذ ما أعار

<<  <  ج: ص:  >  >>