للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: لو زدتني! فقال الفرزدق:

إنّي لباكٍ على ابني يوسف جزعاً ... ومثل فقدهما للدّين يبكيني

ما سدّ حيٌّ ولا ميتٌ مسدّهما ... إلا الخلائف من بعد النّبيّين

فقال له: ما صنعت شيئاً، إنما زدت في حزني، فقال الفرزدق:

لئن جزع الحجّاج ما من مصيبةٍ ... تكون لمحزونٍ أجلّ وأوجعا

من المصطفى والمصطفى من خيارهم ... جناحيه لمّا فارقاه فودّعا

أخ كان أغنى أيمن الأرض كلّه ... وأغنى ابنه أهل العراقين أجمعا

جناحا عقاب فارقاه كلاهما ... ولو نزعا من غيره لتضعضعا

فقال: الآن.

أما قوله: "إلا الخلائف من بعد النّبيين"، فخفض هذه النون، وهي نون الجمع، وإنما فعل ذلك لنه جعل الإعراب فيها لا فيما قبلها، وجعل هذا الجمع كسائر الجمع، نحو أفلس، ومساجد. وكلاب، فإن إعراب هذا كإعراب الواحد، وإنما جاز ذلك لأن الجمع يكون على أبنية شتّى، وإنما يلحق منه بمنهاج التثنية ما لاختلاف معانيه، ما كان على حد التثنية لا يكسّر الواحد عن بنائه، وإلاّ فلا، فإنّ الجمع كالواحد، لاختلاف معانيه، كما تختلف معاني الواحد، والتثنية ليست كذلك، لأنه ضربٌ واحدٌ، ولا يكون اثنان اكثر مت اثنين عدداً، كما يكون الجمع أكثر من الجمع، فمما جاء على هذا المذهب قولهم: هذه سنينٌ، فاعلم، وهذه عشرينٌ فاعلم، قال العدوانيّ:

إنّي أبيٌّ ذو محافظةٍ ... وابن أبي من أبيّين

وأنتم معشرٌ زيدٌ على مائةٍ ... فأجمعوا كيدهم طرّاً فكيدوني

وقال سحيم بن وثيل:

وماذا يدّري الشعراء منّي ... أخو خمسين مجتمعٌ أشدّي

وقد جاوزت حدّ الأربعين ... ونجّذني مداورة الشّؤون

وفي كتاب الله عز وجل: {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} ١.


١ سورة الحاقة ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>