للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومر نصر بن سيار الليثي بأبي الهندي وهو يميل سكراً، فقال له: أفسدت شرفك! فقال أبو الهندي: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان.

وحج به نصر بن سيار مرة، فلما ورد الحرم قال له نصر: إنك بفناء بيت الله ومحل حرمه١، فدع لي الشراب حتى ينفر الناس، واحتكم علي، ففعل. فلما كان يوم النفر أخذ الشراب فوضعه بين يديه، وأقبل يشرب ويبكي، ويقول:

رضيع مدام فارق الراح روحه ... فظل عليها مستهل المدامع

أديرا علي الكأس إني فقدتها ... كما فقد المفطوم در المراضع

وكان يشرب مع قيس بن أبي الوليد الكناني، وكان أبو الوليد ناسكاً فاستعدى عليه وعلى ابنه، فهربا منه، فهربا منه، وقال أبو الهندي:

قل للسري أبي قيس: أتوعدنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا٢

أبا الوليد أما والله لو عملت ... فيك الشمول لما حرمتها أبدا

ولا نسيت حمياها ولذتها ... ولا عدلت بها مالاً ولا ولدا

ثم نرجع إلى التشبيه، وربما عرض الشيء المقصود غيره، فيذكر للفائدة تقع فيه، ثم يعاد إلى أصل الباب.

قال أبو العباس: وقال عروة بن حزام العذري:

كأن قطاة علقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان

ويقال: إن المرأة إذا كانت مبغضة لزوجها، فآية ذلك أن تكون عند قربه منها مرتدة النظر عنه كأنما تنظر إلى إنسان وراء٣، وإذا كانت محبة له لا تقلع عن النظر إليه، وإذا نهض نظرت من ورائه إلى شخصه حتى يزول عنها، فقال رجل: أردت أن أعلم كيف حالي عند امرأتي، فالتفت وقد نهضت من بين يديها فإذا هي تكلح٤ في قفاي.


١ ر: "ومحمل "وفوده"".
٢ داركم صددا, منصوب على الظرفية, أي القريبة.
٣ ر: "من ورائه", وما أثبته عن الأصل.
٤ التكليح: التكشير في عبوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>