للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هوت إلى الحضيض، وانحدرت في عبادتها إلى الدرك الأسفل، فسما هو إلى هذا المكان وكان يخلو به كل عام في شهر رمضان١، أجل كان يخلو بغار في أعلى هذا الجبل الأشم، وهو كهف غريب جعله الله على وضع عجيب، يأخذه فيه الإنسان راحته الكاملة، وتنطلق فيه الروح من أسر المادة وعقال الشهوة، إلى حيث تسمو إلى العلياء، وتسبح في ملكوت السموات والأرض. فبابه يتسع لدخول الشخص الواحد وهو قائم، وقد غُطي سقفه بصخور مائلة، لذا كان وسطه أعلى من جانبيه.

ويستطيع اثنان متجاوران أن يصليا فيه براحة كاملة، ومساحته من الداخل تسمح بنوم ثلاثة من الرجال متجاورين.

وقد أسعدني الحظ بالرقي إلى هذا الغار في رفقة من الأصدقاء الأخيار، ومع نفر من أبنائنا الطلاب في كلية الشريعة بمكة. وكانوا جميعًا من الشباب الممتلئ بالقوة والفتوة، ولولا دافع قوي من الإيمان وشوق أقوى لرؤية أول مكان نزل فيه القرآن، لتحطمت قوتنا بين يدي تلكم الأحجار العاتية، ولما استطاع أحد منا أن يواصل السير والصعود على هذا المرتقى الوعر الشديد..


١ كون المدة كانت شهرًا، وأنه رمضان، جزم بذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح" ١/ ٢٣ وعزاه لابن إسحاق انتهى.
قلت: وهو عنده في السيرة كما عند ابن هشام ١/ ٢٥٢ وغيره، عن عبيد بن عمير، وهذا مرسل. لكن أخرج أبو داود الطيالسي ٢٣١٨، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" رقم ١٦٣ وغيرهما من حديث عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نذر أن يعتكف شهرًا هو وخديجة بغار حراء، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج ذات ليلة، فسمع: السلام عليك ... " الحديث.
وفي سنده ضعف، لكن يصلح في الشواهد.
وعند البخاري ٤٩٢٢، ومسلم ٢٥٧ وغيرهما من حديث جابر رفعه: "جاورت بحراء شهرًا". وانظر "دلائل النبوة" للبيهقي ٢/ ١٣٣، و"السيرة الحلبية" ١/ ٣٨٣، فإنهم ذكروا نزول الوحي في هذا الشهر أيضًا.

<<  <   >  >>