للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت الدعوة في مبدأ أمرها سرية تتم في الكتمان والخفاء، حتى لا يقاومها الأعداء وهي لم تزل في مهدها الصغير، ثم تطورت بعد ثلاثة أعوام من بدء الوحي، حينما نزلت الآية:

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ١.

واتخذت مظهر الجهرية الصريحة والإعلان العام، فأصبح محمد -صلى الله عليه وسلم- يجمع القوم ويكاشفهم بأمر الدين الحنيف، وقد بدأ بعشيرته الأقربين؛ فكلف ابن عمه علي بن أبي طالب أن يصنع لهم طعامًا، ويدعو أهله إليه وفيهم عمومته بنو عبد المطلب وأولادهم نحو الأربعين رجلًا. فلما اجتمعوا كلمهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شأن الدعوة الإسلامية، وما ينادي به من نبذ معتقداتهم الفاسدة والإيمان بالله وحده، فغضبوا وقاطعوا كلامه وانصرفوا مسرعين٢.


١ سورة الحجر، الآية ٩٤.
وهذا القول هو قول أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، كما في "المواهب" ١/ ٢٢٢. وذكر أن نزولها كان بعد ثلاث سنين.
وكذلك جاء التصريح بالمدة عند ابن الأثير في "الكامل" ٢/ ٤٠.
وأسند ذلك ابن سعد ١/ ١٩٩ عن القاسم، وسنده مرسل وضعيف.
ولم أقف على سند صحيح، فيه كون الأمر بالجهر كان بعد ثلاث سنين.
٢ في الصحيحين ومسند أحمد، من حديث ابن عباس قال: "لما أنزل الله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصفا فصعد عليه، ثم نادى: يا صباحاه. فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني". قالوا: نعم. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب -لعنه الله: تبًّا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا.
وانظر "البداية والنهاية" ٢/ ٣٨. وما نقله في ذلك من الروايات الكثيرة، والتي في بعضها وكما عند البيهقي في "الدلائل" أن عدد الحضور كان أربعين رجلًا. وقد رواه ابن إسحاق من طريق فيه متهم، لكن جاء الحديث عند ابن أبي حاتم في تفسيره من وجه آخر يقويه.

<<  <   >  >>