للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالت قريش: صبأ١ والله الوليد. لتصبأن قريش كلها.

فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه. ثم توجه إليه وجلس أمامه حزينًا، وكلمه بما حمسه ضد محمد -صلى الله عليه وسلم- مما جعل الوليد يأتي القوم في ناديهم ويخاطبهم قائلًا: أتزعمون أن محمدًا مجنون، فهل رأيتموه يهوس، وتقولون: إنه كاهن، فهل رأيتموه يتكهن، وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرًا قط؟ وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئًا من الكذب؟

فقالوا في ذلك: اللهم لا. ثم قالوا: فما هو؟ ففكر قليلًا ثم قال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه فرق بين الرجل وأهله وولده؟

فاهتز النادي فرحًا بهذا الرأي الذي سيفرق بين محمد وعشيرته، وسيباعد بينه وبين الناس، وأنزل الله ردًّا عليه في آيات بينات مخاطبًا الرسول -صلى الله عليه وسلم:

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً، وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} ٢.

وغير هؤلاء وهؤلاء، وممن عميت بصائرهم وطمس الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، وقد هلكوا جميعًا بعد الهجرة؛ فمنهم من قتل ومنهم


١ بدّل دينه.
٢ سورة المدثر، الآيات ١١-٢٦.
والقصة هذه رويت من وجوه مرسلة وأخرى معضلة عند ابن إسحاق ١/ ٢٧٠ وأبي نعيم في "الدلائل" رقم ١٨٣-١٨٤-١٨٥، والبيهقي، وغيرهم، وسندها جيد قوي.

<<  <   >  >>