للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حض أثرياء المسلمين على المشاركة في تجهيز الجيش بما آتاهم الله من فضله.

واستجابت الكثرة من المسلمين لهذه الدعوة، فأقبلوا جماعات حتى ضاق بهم فضاء الصحراء، يسوقون أمامهم خيلهم وإبلهم مدرعين بأسلحتهم، لم تمنعهم مشقة الطريق ولا شدة الحر، وتبارى كبارهم في الإنفاق وشراء السلاح، فجاء أبو بكر -رضي الله عنه- بكل ماله، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "هل أبقيت لأهلك شيئًا؟ ".

قال: أبقيت لهم الله ورسوله.

كما أسرع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بتجهيز ثلث الجيش من ماله١.

وأقبل كثير من الفقراء يطلبون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحملهم معه، فحمل بعضهم واعتذر إلى الباقين، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا على حرمانهم من نعمة الجهاد، فبين الله أنهم لا لوم عليهم حيث قال: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} ٢.

وجاءت جماعة من المنافقين يلتمسون الأعذار، ويحلفون بالله قائلين: لو استطعنا لخرجنا معكم. والله يعلم أنهم لكاذبون، كما كانوا يمنعون بعضهم من هذا الغزو في الجو المحرق، ففضح الله أمرهم بقوله: {وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي


١ حيث جهزة ثلاثمائة بعير، وما يلزمها من ماله الخاص، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا" سنن الترمذي ٣٧٠٠ وقال: حسن غريب. وفي الباب عن عبد الرحمن بن سمرة.
قلت: وأخرج نحو هذا الطبراني ١٨/ ٣٣١ عن عمران بن حصين، فالحديث يصحح بشواهده. على أنه جاء في بعض الطرق الضعيفة أنه جهز أكثر من ذلك.
٢ سورة التوبة، الآية ٩٢.

<<  <   >  >>