للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه جميع نسائه، وكأنه كان يحس بقرب الأجل ونهاية المطاف، وكأنما ألهمه الله أن هذا الموسم من الحج هو آخر العهد به في هذه الحياة الدنيا، فلم يشأ أن يخصص واحدة من نسائه بفضل صحبته في هذه الحجة الأولى والأخيرة، حتى لا تضيع الفرصة على غيرها من أمهات المؤمنين.

ولقد أنصت التاريخ في إكبار يسجل هذا المشهد الحافل، وتساءل الناس وهم يتبعون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وكأنهم في حلم عجيب.

ما هذه الجموع الحاشدة؟ وإلى أين تسير؟ ومن ذلكم القائد الكبير؟ ثم طفقوا يسترجعون الذكريات القريبة، كلما أغذُّوا السير في الطريق من يثرب إلى مكة وأطلت عليهم جباله، وانبسطت بين أيديهم رماله.

فمن هذا الطريق سار محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أربع سنوات في جمع قليل وعدد ضئيل١ يريدون أن يؤدوا نسك العمرة، فوقفت قريش في سبيلهم ولم تمكنهم من دخول المسجد الحرام في ذلك العام.

ومن هذا الطريق سار محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاث سنوات ليؤدي عمرة القضاء بعد صلح الحديبية في جمع من أصحابه بلغت عدتهم قرابة الألفين، فصدق الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا بالحق، ودخل المسلمون المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين.

ثم شهد هذا الطريق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه منذ عامين اثنين٢ يخرجون لنصرة المظلوم وردع الظالم، ولرد قريش عن البغي والعدوان بعد أن بالغت في الاستهتار وأمعنت في العناد، ولم تكترث بوعد ولم ترعَ حرمة لعهد، وكان المسلمون في جيش كبير بلغت عدته عشرة آلاف، فجاء نصر الله، ودخل الناس في دين الله،


١ يعني: عام الحديبية، كما تقدم.
٢ أيام فتح مكة، كما تقدم ذلك.

<<  <   >  >>