للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخلي مكان الإمامة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وظن أنه يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتنوا بصلاتهم فرحًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل إلى الحجرة وأرخى الستر على الباب١.

ثم بدأت اللحظات الأخيرة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الساعة الفاصلة يغدو ويروح بفكره متنقلًا في أرجاء الماضي العظيم الذي انطوت أيامه، بما اشتملت عليه من جلائل الأعمال، فيراه بين يديه نورًا يضيء جنبات نفسه، ويكشف أيامه الحجب المغيبة والغيوب المحجوبة٢، ويريه مقعده الخالد في جنة الخلد، فيتطلع ببصره إلى السماء ويقول: "بل الرفيق الأعلى من الجنة" ٣.

وتتحدث السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن هذه اللحظة التي التقى فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بربه فتقول: وجدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يثقل في حجري فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول: "بل الرفيق الأعلى من الجنة". فقلت خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق. وقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين سحري٤ ونحري.


١ أخرجه البخاري، كما في "الفتح" ٢/ ١٦٤، ومسلم ١/ ٣١٥ وغيرهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه.
٢ لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يعلم شيئًا من الغيب إلا ما علمه الله تبارك وتعالى إياه، وأما العلم المطلق فشيء لا يصح، ولا يجوز اعتقاد ذلك، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- للجارية التي كانت تقول: وفينا نبي يعلم ما في غد.
قال: "لا يعلم الغيب إلا الله، وكفى عن هذا، وعودي لما كنت تقولين" كما صح ذلك عند البخاري ٣/ ٦١٥ وغيره.
٣ أخرج ذلك البخاري ٤٤٥١ وغيره بهذا اللفظ ونحوه، وانظر "دلائل النبوة" ٧/ ٢٠٣ فصل ما جاء في آخر كلامه -صلى الله عليه وسلم.
٤ السحر: الرئة، وقيل غير ذلك. والمراد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان واضعًا رأسه عند صدرها -رضي الله عنها- والحديث مخرج في الصحيح وغيره، وانظر "دلائل النبوة" ٧/ ٢٠٧، "صحيح البخاري" ٤٤٥١، "فتح الباري" ٨/ ١٤٤، و"سنن الترمذي" ٩٧٨، و"ابن ماجه" ١٦٢٣ و"مسند أحمد" ٦/ ٦٤، ٦/ ٧٠، ٦/ ٧٧، ٦/ ١٥١ وغير ذلك.

<<  <   >  >>