للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها الأقدام. وقد نشطوا لذلك -والحمد لله- على توالي العصور والأزمنة، وبينوا الدوافع القوية التي كانت تحيط بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من كل واحدة من زوجاته الكثيرات، والتي كانت تجعل هذا الزواج هادفًا إلى المصلحة العامة دون سواها. وأقاموا حجتهم على دعائم قوية من المنطق السليم فتتبعوا تاريخ محمد -صلى الله عليه وسلم- وما عُرف عنه من العفة والطهارة في كل فترة من فترات حياته بشهادة أعدائه قبل أصدقائه، وكيف مرت عليه فترة الشباب الحرجة دون أن يتزوج، ولم يعرف عنه خلال هذه الفترة ما عرف عن الكثير من أترابه ولداته، من النزق والطيش والانحراف العابث، بل كان في كل أحواله وظروفه مضرب المثل في الخلق الكريم والمسلك القويم، وبعد أن تزوج من السيدة خديجة وكانت قد بلغت الأربعين١، وهو سن يعفّ عنه الكثير من الشباب، كان محمد صلوات الله وسلامه عليه راضيًا بها ومطمئنًا لها، وسعيدًا بالمعيشة معها، لأنه لا يطلب من الزوجة إلا الإخلاص والوفاء، وقد وجد في زوجته خديجة الغاية المرجوة من الإخلاص والوفاء.

وهكذا ظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع زوجته خديجة حتى بلغ من العمر خمسين عاما، ثم توفيت السيدة خديجة فتزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- سائر نسائه في العقد السادس من حياته، وفي مثل هذا العمر تضعف الغريزة الجنسية حتى لدى الأشخاص العاديين الذين لا يرهقهم التفكير. فما ظنكم بمن حمل الأمانة الكبرى، ووُسدت له الإمامة الكبرى، ومن استغرقت رعيته وأمته كل دقيقة من تفكيره وكل لحظة من حياته؟ وماذا يمكن أن يبقى له من الطاقة حتى يصرفها في ملذاته، أو يقسمها على سائر زوجاته؟

ولكن هذا المنطق السليم لم يقنع هؤلاء السادرين في الغي والضلالة فضلوا


١ كما مضى ذكر ذلك أوائل الكتاب.

<<  <   >  >>