للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السابقة التي جاء الإسلام على أثرها.. ولا بد لنا في هذه المناسبة من الإشارة إلى أن بعض الكتاب المسلمين قد انقادوا -أحيانًا إلى العاطفة، فنظروا إلى ذلك العصر الذي سبق الإسلام في شبه الجزيرة العربية نظرة غير محايدة، وذلك أنهم أغمضوا الأعين عن الصفات الحسنة والخلال الكريمة التي كانت تسود -حينئذٍ- في المجتمع العربي ولم يتعرضوا لها إلا بقدر يسير، ثم أفاضوا في ذكر المثالب والعيوب والنقائص الخلقية التي كانت موجودة لدى بعض القبائل، ونسبوها لجميع القبائل!!.

ومن الإنصاف أن نذكر الأمور على حقيقتها بعيدة عن الغلو والإسراف غير متأثرة بعاطفة أو متحيزة لغرض، وحينئذٍ يجري التاريخ في سننه المرسوم، ويؤمن به الأعداء والأصدقاء، ولا يجد خصوم الحق مجالًا ينفذون منه إلى أهدافهم الخبيثة من التغيير والتحريف، أو التشويه والتزييف.

ولقد كان النظام القبلي سائدًا في المجتمع العربي قبل الإسلام: فكان شيخ القبيلة هو الحاكم الأعلى لقبيلته، وصاحب السلطان المطلق فيها، وكأن أوامره المستمدة من العرف القائم بينهم تقوم مقام القانون ... وهذا النظام القبلي كان يدعو إلى التنافس بين القبائل على النفوذ المادي والأدبي، فكانت كل قبيلة تجتهد في أن تكمل نفسها وتبسط نفوذها ولو على أنقاض غيرها من القبائل، ومن هنا كانت تسود العداوة والبغضاء بين القبائل المختلفة وتثور الحروب وتنشب المعارك لأوهى الأسباب بينهم، ولكن كان أفراد القبيلة يتناصرون فيما بينهم. ويدافع كل فرد عن أخيه مهما نأى عن الحق وتشبث بالباطل، ومن أقوالهم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا "١.


١ وقد جاء الإسلام بهذه القاعدة أيضًا لكن على غير المفهوم الجاهلي الظاهر، ولذلك سأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقالوا: ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تردوه عن غيه" أي: ظلمه.
وانظر هذا الحديث في "صحيح البخاري" ٣/ ١٦٨، ٩/ ٢٨، و"سنن الترمذي" ٢٢٨٢، و"مسند أحمد" ٣/ ٩٩ و"سنن البيهقي الكبرى" ٦/ ٩٤، و"حلية الأولياء" ٣/ ٩٤، و"زاد المسير" ٢/ ٢٧٧، و"صحيح ابن حبان" ١٨٤٧، وغير ذلك.

<<  <   >  >>