للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسيحية في بلاد العرب]

ولد السيد المسيح -عليه السلام- في بيت لحم على مقربة من بيت المقدس. وقد فزع قومه لولادته من مريم وهي البتول الطاهرة النقية ولم تزف إلى زوج حتى ينسب ولدها إليه. وقالوا: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} ١، ولكن الله أنطقه وهو في المهد ليبرئ أمه من هذا الاتهام الكاذب فقال: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} ٢.

ولما خشيت الأم على نفسها وعلى ولدها من أشرار قومها، أخذته وذهبت به إلى مصر مع ابن عمها يوسف النجار فأقاموا بها اثنتي عشرة سنة ثم عادوا إلى الشام٣.

وقد تلقى الوحي على جبل الزيتون هناك وكان عمره -حينئذ- ثلاثين سنة، وظل يدعو الناس إلى توحيد وحسن المعاملة، والرفق بالضعفاء وتجنب زخارف الدنيا، وإلى العمل للآخرة رجاء ثواب الله. إلى أن بلغ ثلاثًا وثلاثين سنة وثلاثة شهور فرفعه الله إليه٤، ولا ريب أن رفعه رفع مكانة ومنزلة، وفريق آخر يقولون إنه رفع بروحه وجسده٥.


١ سورة مريم، الآية ٢٧.
٢ سورة مريم، الآيات: ٢٧-٢٨- ٢٩-٣٠.
٣ "الكامل في التاريخ" ١/ ١٨٧، و"البداية والنهاية" ٢/ ٧٥.
٤ وقيل غير ذلك، وفي ذلك حديث مسند غريب عن فاطمة، رواه الحاكم، ويعقوب بن سفيان في تاريخه، وأنكره ابن عساكر، كما ذكر الحافظ ابن كثير في "البداية" ٢/ ٩٥.
٥ هو رفع بالروح والجسد، ورفع مكانة ومنزلة.

<<  <   >  >>