للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القراَن وهي أفضل من الأذان؟ قلت: إنما يفرُ من الأذان وله ضراط لئلا

يسمع فيحتاج أن يَشهد بما سمع إذا استُشهِد يوم القيامة؛ لأنه جاء في

الحديث: " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد

له يوم القيامة (١) " والشيطان- أيضًا- شيء، أو هو داخل في الجنّ لأنه

من الجن والحديث المذكور- أيضًا- " ويَشهد له كل رطب ويابس ".

فإن قيل: الشيطان ليس بأهل للشهادة؛ لأنه كافر، والمراد من

الحديث: يَشهد له المؤمنون من الجن والإنس. قلت: هذا ليس بشيء؛

لأن قوله: " ويَشهد له كل رطب ويابس " يَتناوَله، والأحسن: أن يقال:

إنه يُدبر لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار

شعائر الإسَلام وإعلانه. وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان

بالتوحيد. قال أبو الفرج: فإن قيل: كيف يهرب الشيطان من الأذان،

ويدنو من الصلاة، وفيها القراَن ومُناجاة الحق؟ فالجواب: بُعده عند

الأذان لغيظه من ظهور الدين، وغلبة الحق، وعلى الأذان هَيئة يشتدُ

انزعاجه لها، ولا يكاد يقع فيه رياء ولا غفلة عند النطق به؛ لأن النفس

لا تحضره، وأما الصلاة: فإن النفس تحضر، فيفتح لها الشيطان أبواب

الوساوس.

قوله: " فإذا قضي النداء/أقبل " يعني: إذا فُرغ من الأذان أقبل

الشيطان، لزوال ما يلحقه من الشدة والداهية.

قوله: " حتى إذا ثُوِب بالصلاة " أي: حتى إذا أُقيم لها؛ " (٢)

والتثويب هاهنا: الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في

صلاة الفجر: " الصلاة خير من النوم " حسب؛ ومعنى التثويب:

الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه؛ وأصله: أن يلوح الرجل لصاحبه بثَوبه


(١) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالنداء (٦٠٩) من حديث
أبي سعيد الخدري.
(٢) انظر: معالم السنن (١/١٣٤) .
٣٠. شرخ سنن أبي داوود ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>