للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهودي، فالخبر المفسر أولى من المجمل، ثم احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحا من غير أن يكون فيه خلاف للآية، وذلك أنهم كانوا يوصون أهلهم بالبكاء والنوح عليهم، فكان ذلك مشهورا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم، كقول القائل (١) :

إذا ما مت فانعيني بما أنا أهله ... وشُفي عليّ الجيبَ يا ابنة معبدٍ

وكقول لبيد:

فقوما وقولا بالذي تعلمانه ... ولا تَخمِشا وجها ولا تحلِقا شعرَ

وقولا هو المرءُ الذي لا صديقه ... أضاعَ ولا خانَ الأميرَ ولا غَدرَ

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته، وقال- عليه السلام-: " من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سنة سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها". وفيه وجه آخر وهو أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها، وجرى من قضاء الله سبحانه وتعالى فيهم أن يكون عذابه وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم: " مطرنا بنوء كذا ْ": عند نوء كذا، كذلك قوله: "إن الميت يعذب ببكاء أهله " أي: عند بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالا لا سببا، لأنا لو جعلناه سببا لكان مخالفا للقرآن، وهو قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَة وزْرَ أخْرَى) (٢) والله أعلم " (٣) .

قوله: " قال: عن أي معاوية " أي: قال عبدة بن سليمان في روايته: عن أبي معاوية الضرير:" إنما مر رسول الله على قبر يهودي ". وأخرجه: مسلم، والنسائي.


(١) وهو طَرَفة بن العبد.
(٢) سورة الإسراء.
(٣) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.

<<  <  ج: ص:  >  >>