للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثوبه، ولم يجد من يستعين به، ماذا يفعل؟ وما قاله أصحابنا أحسن

وأوسع.

قوله: " فإنه لا يدري أين باتت يده " الفاء فيه للتعليل، وذلك

" (١) لأنهم كانوا يستنجون بالأحجار، وبلادهم حارة،. فإذا نام أحدهم

عرق، فلا يأمن أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس، أو على بثرة أو

قذرٍ [أو] غير ذلك ".

وقوله: " أين باتت يده " كناية عن وقوعها على دبره أو ذكره، أو

نجاسة، أو غير ذلك من القذر (٢) ، وإنما ذكر بلفظ الكناية تحاشياً من

التصريح به، وذلك من آداب النبي- عليه السلام-، ونظائر ذلك كثيرة

من القرآن والحديث. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:

الأولى: أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة وإن لم تغيره، وهذا حجة

قوية لأصحابنا في نجاسة القلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره، وإلا لا

يكون للنهر فائدة. وجمهور أصحابنا استدلوا على نجاسة القلتين بهذا

الحديث الصحيح، الذي أخرجه الأئمة الستة وغيرهم، ولم يعملوا

بحديث القلتين لكونه ضعيفاً كما ذكرناه.

والثانية:/استحباب غسل النجاسة ثلاثاً لأنه إذا أُمر به في المتوهمة

ففي المحققة أوْلى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب، وقد

ذكرنا فيه أنه- عليه السلام- أوجب فيه الثلاث وخيّر فيما زاد.

الثالثة: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالمسح بالأحجار، بل يبقى نجساً

معفواً عنه في حق الصلاة، حتى إذا أصاب موضع المسح بلل وابتل به

سراويله أو قميصه تُنجسه.

الرابعة: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسلُ، ولا يؤثر فيها الرّشُّ،

فإنه - عليه السلام - قال: " حتى يغسلها "، ولم يقل: " حتى يرُشها ".


(١) انظر: " شرح صحيح مسلم " (٣/١٧٩) .
(٢) المصدر السابق (٣/١٧٩- ١٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>