للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذباب لأنه يَرْعى ويتتبع الأزْهار والأنوار ويقع عليها، كما أن الذباب

شأنه يَتتبع المواضع التي فيها الدسومة أو الحلاوة فيقع عليها؛ وأنما أضافه

إلى الغيث الذي هو بمعنى المطر، لأنه يتتبع مواضع الأزهار والعُشْب التي

هي مواقع الغيث، ولما كان العشب والأنهار سببا لحياة النخل وتغسيله،

والغيثُ سببا لنبات العشب والإزهار كان سببا لحياة النحل؛ لأن الَسَبب

للشيء الذي هو سبب لذلك الشيء، سبب لذلك الشيء، فأضيف أيه

بهذا الاعتبار.

وقال الخطابي (١) : وفي هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في

العسل، وأن النبي- عليه السلام- إنما أخَذ العُشْر من هِلال المُتْعِي إذ

كان (٢) قد جاءه بها متطوعاً وحمَى له الوادي إرفاقا ومعونة له بدل ما

أخذ منه، وعقَل عمر بن/ الخطاب المعنى في ذلك، فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشرَ وإلا فلا، ولو كان سبيله [سبيل] ، الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك. وممن لم يرَ

فيه الصدقةَ: مالك، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو ثور، وروي

ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وأوجبها مكحول، والزهري، والأوزاعي،

وأصحاب الرأي. وقال أحمد، وإسحاق: في العسل: العشر.

قلت: يجب العشر في العسل إذا أخذ من أرض العشر، ثم عند

أبي حنيفة: يجب العشرُ قل العسل أو كثر. وعن أبي يوسف أنه يعتبر

فيها القيمة، وعنه: أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عَشر قِرَب، وعنه: خمسة

أمناء، وعن محمد: خمسة أوراق، كل فرق ستة وثلًاثون رطلاً. أما

الدليًل على نفس الوجوب: فهذا الحديث، لأنه بالحماية اختاره الرجل

ومَلكه بسَبْق يده إليها، فإذا حمى له الوادي، ومنع الناس منه وجب عليه

بحق الحماية إخراج العُشر منه، لأنه مال مقصود، حتى إن العسل الذي

يوجد في الجبال أو البرية والموات إن لم يضخمها الإمام لا يجب فيه العشر،


(١) معالم السنن (٢/ ٣٧) .
(٢) في الأصل: "أن قد كان" وما أثبتناه من معالم السنن.

<<  <  ج: ص:  >  >>