للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن هذا: أن الوضوء متأول على الوضوء الذي هو النظافة

ونقاء الزهومة (١) ، كما رُو: " توضؤوا من اللبن فإن له دسماً "،

ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم

الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد، لوجود

سببه دون الوضوء، الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه. كذا قال

الخطابي (٢) .

فيا ليت شعْري! لماذا لم يأولوا هكذا الوضوء الذي في مس

الذكر، فهل كان هناك حدث حتى يرفعه الوضوء؟ وقال الشيخ

محيي الدين (٣) : " ومذهب أحمد أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على

خلافه، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر- رضي الله

عنه-: " كان آخر الأمرين من رسول الله: ترك الوضوء مما مست النار

ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص،

والخاص مقدم على العام ".

قوله: " في مبارك الإبل " المبارك: جمع مبرك، وهو الموضع الذي

تبرك فيه الإبل. وقال الخطابي (٤) : " إنما نهى عن الصلاة في مبارك

الإبل؛ لأن فيها نفاراً وشراداً، لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى

بحضرتها، أو تُفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها

من السكون، وقلة النفار ".

قلت: قد علل النبي- عليه السلام- في نهيه عن الصلاة في مبارك

الإبل بقوله: " فإنها من الشياطين "، والتأويل في مقابلة التعليل غير

مفيد. ثم معنى قوله: " فإنها من الشياطين ": من مأوى الشياطين،

والضمير يرجع إلى المبارك لا إلى الإبل؛ لأن الإبل ليست من الشياطين.


(١) الريح النتنة.
(٢) معالم السنن (١/٥٨) .
(٣) " شرح صحيح مسلم " (٤/٤٩) .
(٤) معالم السنن (١/٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>