للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: " وما يعذبان في كبير " قال الخطابي: " معناه: أنهما لم يعذبا

في أمر كان يكبر عليهما، أو يشق فعله لو أرادا أن يفعلاه، وهو التنزه من

البول، وترك النميمة، ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست

بكبيرة في حق الدين " (١) . ويقال: إن هذا ليس من الكبائر، ويكون

المعنى التحذير من الكبائر، لأنه إذا عذب في القبر على ما ليس من

الكبائر، فكيف بالكبائر؟، " (٢) ويقال: ليس بكبير عندكم وهو عند الله

كبير، يدل عليه ما ذكره البخاري في الروايتين: أحدهما في كتاب

الأدب، في باب النميمة: " وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير " (٣) ،

والأخرى في كتاب الوضوء: " وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير " (٤) ،

أي: بلى إنه لكبير عند الله، ومصداقه: (وتحْسبُونهُ هيّناً وهُو عند الله

عظيمٌ) (٥) . ويقال: يحتمل أن يكون هذا إشارة إلى حقارة هذا الذنب

في الذنوب، فإن النميمة من الدناءة المستحقرة، بالإضافة إلى المروءة،

وكذلك التلبس بالنجاسة، ولا يفعلها إلا حقير الهمة. ويقال: ليس هو

بأكبر الكبائر، وإن كان كبيراً.

فإن قلت: ما سبب كونهما كبيرين؟ قلت: لأن عدم التنزه من البول

يلزم منه بطلان الصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة هو

السعي بالفساد، وهو من أقبح القبائح، ولا سيما مع قوله- عليه

السلام-: " كان يمشي بلفظ: " كان " التي للحالة المستمرة غالباً " (٦) .

قوله: " أما هذا فكان لا يستتر من البول " كلمة " أما " هاهنا للتفصيل،

وفيه معنى الشرط، بدليل لزوم الفاء بعده.


(١) انظر: معالم السنن (١/١٧) ، باب: الاستبراء من البول.
(٢) انظر: " شرح صحيح مسلم " (٣/٢٠١) .
(٣) البخاري (٦٠٥٥) ، ووقع عنده: " وما يعذبان في كبيرة ... ".
(٤) البخاري (٢١٦) ، وليس عنده: " إنه كبير "، ورواه (٦٠٥٥) بلفظ: " وما
يعذبان في كبيرة، وإنه لكبير ".
(٥) سورة النور: (١٥) .
(٦) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>