للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي ظهر أن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة التصديق.

وأن قول غوستاف لوبون: إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينا سمحا مثل دينهم هو إنصاف للحق قبل أن يكون إنصافا للمسلمين١.

ثانيا: مبدأ المساواة بين المسلمين:

وهذا جانب آخر من جوانب النزعة الإنسانية في حضارتنا الخالدة، ذلك هو تقرير المساواة حقا بين الناس من غير نظر إلى ألوانهم، فبعد أن أعلن القرآن مبدأ المساواة في قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ٢، وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع ليعلن في خطابه النبوي: "أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى" ٣.

ولم تكن هذه المساواة لتقف عند حدود المبادئ التي تعلن في مناسبات متعددة كما يقع من زعماء الحضارة الحديثة اليوم بل كانت مساواة مطبقة تنفذ كأمر عادي لا يلفت نظرا، ولا يحتاج إلى تصنع أو عناء، فقد نفذت في المساجد حيث كان يلتقي فيها الأبيض والأسود على صعيد واحد من العبودية لله -عز وجل- والخشوع بين يديه، ولم يكن الأبيض ليجد غضاضة أو حرجا في وقوف الأسود بجانبه، ونفذت في الحج حيث تلتقي العناصر البشرية كلها من بيضاء وملونة على صعيد واحد بثياب واحدة من غير تمييز بين أبيض وأسود أو استعلاء من البيض على السود، بل إننا لنجد


١ من روائع حضارتنا، مصطفى السباعي: ٧٥.
٢ الحجرات: ١٣.
٣ أحكام القرآن للجصاص: ٣٩٣/١، التاريخ الإسلامي، محمود شاكر: ٣٦٩/٢

<<  <   >  >>