للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب السابع عشر:] *بابُ الشفاعة

ــ

قال الشيخ الإمام رحمه الله: "باب الشفاعة" الشفاعة معناها: التوسط في قضاء حاجة المحتاج لدى من هي عنده. سميت بذلك لأن طالب الحاجة كان منفرداً في الأول، ثمّ لما انضم إليه الشافع صار شفعاً، لأن الشفع ضد الوتر. فلما كان طالب الحاجة منفرداً، ثمّ انضم إليه الواسطة شفعه في الطلب، ولذلك سمّي شافعاً، وسمّي هذا العمل شفاعة، قال الله سبحانه وتعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} ، فالذي يشفع عند السلاطين، أو عند الأغنياء، أو عند غيرهم لقضاء حاجة المحتاجين يعتبر عمله شفاعة طيبة يؤجر عليها، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء".

أما إذا كانت الشفاعة في أمر محرّم، فهذه شفاعة سيئة، كالذي يشفع عند السلطان في تعطيل الحدود، إذا وجب الحد على شخص شفع عنده ليسقط الحد عنه، هذه شفاعة سيئة، ولهذا لما تقرر الحد على امرأة من بني مخزوم في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت تستعير المتاع وتجحده، شقّ على أهلها وذويها قطع يدها، تراجعوا بمن يشفع عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقرّر رأيهم أن يطلبوا من أسامة بن زيد رضي الله عنه، حِبُّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن حِبَّه، ليشفع عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ترك قطع يد هذه المرأة، فكلم أسامة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فغضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً شديداً، وتغيّظ على أسامة رضي الله عنه، وقال له: "أتشفع في حد من حدود الله؟، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها" وقال: "إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفّع".

والحاصل؛ أن هذا تعريف الشفاعة، وانقسامها إلى شفاعة حسنة وشفاعة سيئة، هذا فيما بين النّاس، والمراد هنا: الشفاعة عند الله تعالى.

ومراد المصنف رحمه الله من هذا الباب: أنه لما كان المشركون قديماً وحديثاً يعبدون من دون الله الأصنام والأشجار والأحجار والقبور والأضرحة والأولياء والصالحين والملائكة والأنبياء، فإذا أنكر عليهم ذلك قالوا: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} ، نحن نعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>