للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الخامس والأربعون:]

* باب من سب الدهر فقد آذى الله

ــ

قال الشيخ رحمه الله: "باب من سبّ الدهر" السبّ معناه: الذّم والتنقُّص، والدهر المراد به: الزمان والوقت.

ومعنى: "آذى الله": أن الله سبحانه وتعالى يبغض ذلك ويكرهه، لأنّه تنقُّصٌ لله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يتأذّى ببعض أفعال عباده وأقوالهم التي فيها إساءةٌ في حقّه، ولكنّه لا يتضرّر بذلك، لأنه الله لا يضرُّه شيء: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (٥٧) } ، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْأِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) } .

وفي الحديث: "يا عبادي إنّكم لن تبلُغوا ضرّي فتضرّوني" ففرقٌ بين الضرر والإيذاء.

ووجهُ كونه يتأذّى بسبّ الدهر: لأن السبب يكون متوجهاً إليه، لأنّه هو المتصرِّف الذي يجري في قدَره وقضائه الخير والشّرّ والمكروه والمحبوب، أما الدهر فإنّما هو زمانٌ ووقتٌ للحوادث، لا أنّ الدهر نفسه هو الذي يتصرّف ويُحدِث هذه الحوادث التي تجري فيه، وإنّما الدهر زمانٌ ووقتٌ للأعمال كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً (٦٢) } ، بل إنّ الله جعل بعض الأزمان له خاصيّة وفضيلة في مضاعفة الأعمال مثل شهر رمضان، وعشر ذي الحجّة، ويوم عرفة، وبوم الاثنين والخميس من كلّ أسبوع، ويوم الجمعة الذي هو سيّد أيّام الأسبوع وهو عيد الأسبوع، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ووقت السّحر. هذه أوقات فاضلة تُضاعَف فيها الأعمال، ويُستجاب فيها الدّعاء أكثر من غيرها، فالدهر في الحقيقة نعمةٌ من الله سبحانه وتعالى لمن حفظه فيما ينفعه، أما مَن ضيّعه فإنّه يكون حَسْرةً عليه يوم القيامة، فالدّهر إنما هو وقتٌ للأعمال، يَجري فيه الخير والشرّ، والطاعة والمعصية، والكفر والإيمان. فلا يتعلّق بالدهر مدح ولا ذم، لأنّه مجرّد زمان ومجرّد وقت للأعمال خيرها وشرِّها، ومَن علّق الذم بالدهر فإنّما يذمّ الخالِق سبحانه وتعالى لأنّ الدهر مخلوق لا يخلق ولا يُحْدِث شيئاً، وإنّما الذي يخلُق هو الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>