للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الباب الثامن والخمسون:]

* بابُ النّهي عن سبّ الريح

ــ

هذا الباب من جنس الأبواب السابقة التي فيها النّهي عن سبّ الدهر، والنّهي عن قول: "لو" وغير ذلك، والنّهي عن التنجيم، كلّ ما فيه إضافة الأشياء إلى غيرِ الله عزّ وجلّ فإنّه منهيٌّ عنه، لأنّ الأُمور كلّها بيد الله سبحانه وتعالى، وهو خالقُها ومدبِّرها فتُضاف إليه سبحانه وتعالى ولا تُضاف إلى غيره لا إضافة سبّ ولا إضافة مدح، لأنّ في هذا تنقُّصاً لله عزّ وجلّ وإسناد الأمور إلى غيرِه.

وكما سبق: أنّه إذا اعتقد أنّ هذه الأشياء تصنع هذه الأشياء أو تُحدثها؛ فهذا شركٌ أكبر، لأنّه شركٌ في الرّبوبيّة.

وإنْ كان لا يعتقد ذلك، بل يعتقد أنّ الله هو الخالق المدبِّر، وإنّما نسب هذه الأشياء إلى هذه المخلوقات من باب أنّها أسبابٌ فقط: فهذا يكون محرَّماً ويكونُ من الشرك الأصغر، حتى إنّ ابن عبّاس- كما سبق- جعل قولَ الرجل: "كانت الريح طيِّبة، وكان الملاّح حاذقاً"، جعل هذا من اتّخاذ الأنداد لله عزّ وجلّ، وفسّر به قولَه تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، فرُكّاب السفينة إذا خرجوا من البحر ولم يحصل عليهم مكروه ونسبوا هذا إلى حِذْق الملاّح أو إلى طيب الريح التي وجّهت سفينتَهم فإنّ ذلك من اتّخاذ الأنداد لله عزّ وجلّ، لأنّ الواجب: أن يشكُروا الله عزّ وجلّ، لأنّه هو الذي سخّر الريح وهو الذي سخّر الملاّح وعلّمه ووفّقه، فتُنسب الأشياء إلى مصدرها وهو الله سبحانه وتعالى. هذا هو التّوحيد.

أما نسبة الأشياء إلى غيرِه فهذا شركٌ إمّا أكبر وإمّا أصغر.

والواجب على المسلمين أن يتنبّهوا لذلك، لأنّه يكثُر على الألسنة الآن مدح الأشياء وأنّه بفضلها حصل كذا وكذا، بفضل الطبِّ بفضل كذا وكذا، بفضل تضافُر الجهود، بفضل المجهودات الفلانية حصل كذا وكذا، والله لا يُذكر أبداً، ولا يُثنى عليه في هذه الأُمور، وهذا خطأُ كبيرٌ في العقيدة، ويُخشى على مَنْ قالَه من الشّرك الأكبر، هو لا يسلم من الشرك: إمّا الشرك الأصغر وإمّا الشرك الأكبر.

أو يَنسب الأشياء إلى الظّواهر الطبيعيّة، كما يقولون من نِسبة الأمطار إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>